للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تعليل عدم ظهور مثل هذا الإتجاه في بقية شعرة]

...

وإذا كانت هناك نظرات تناثرت وآراء ظهرت لدى عدد من الشعراء تشابه آراء طرفة، فإن هذا الفتى الشاعر استطاع أن يرتفع بوجهة نظره إلى الموقف الشمولي، ويعطيها كل أبعادها، من خلال لغة شعرية حماسية، لا تؤذي الصياغة الفنية، ولا تبطل أهمية الفكرة ودقتها الموضوعية.١

وإذا كنا لم نر لطرفة مثل هذا الإتجاه الفلسفي في موطن آخر من معلقته، ولا في بقية شعره، فإنه من الجائز أن يكون قد قال هذه الأفكار الناضجة في لحظة استشراق نادرة لم تتكرر مثل ما يحدث لكثير من المبدعين، أو أن له غيرها من الآراء الأخرى التي تلخص موقفه من الحياة والوجود، ولكنه ضاع مثل ما ضاع غير من تراث الشعر الجاهلي.

أما طرفة فمن العجيب حقا أن يكون صاحب هذه الفلسفة، تلك الفلسفة التي رأيناها فيما بعد في عصور الحضارة العلمية والعقلية والتي عرفناها عند الخيام وغيره من شعراء الشرق والغرب، يقول الدكتور طه حسين في التعليق على الأبيات التي تتضمن فلسفته: هذه الفلسفة التي يعرضها طرفة في قصيدته، ويعتمد عليها في تفسير الحياة التي يحياها، والتي لم تكن حياة جدٍّ مظلم، ولا حياة لهو مفسد للنفس، وإنما كانت مزاجا معتدلا من الجدِّ واللهو ومن العمل والفراغ, ومادام الشاعر لم يعرف أن بعد الموت شيئاً، فهو


١ موسوعة الشعر العربي: جـ ٣٨٦/٣.

<<  <   >  >>