للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تارة قربة وتارة غير قربة، أشبه غرس الأشجار وبناء البيوت، ولا يحرم أخذ رزق من بيت المال أو من وقف عليه على متعد نفعه كقضاء وتعليم قرآن وحديث ونيابة في حج وتحمل شهادة وأدائها وأذان؛ لأنه من المصالح العامة فجرى مجرى الوقف على من يقوم بها، وليس بعوض، بل رزق للإعانة على الطاعة ولا يخرجه ذلك عن كونه قربة ولا يقدح في الإخلاص؛ لأنه لو قدح ما اسُتحقِت الغنائم وسلبُ القاتل، بخلاف الأجر، فيمتنع أخذ الأجر على ذلك لما تقدم فَمَن عَمِلَ ممَّن يقوم بالمصالح لله أثيب على عمله الذي أخلصه لله. قال الله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} وحرم أخذ رزق وأخذ جعل وأخذ أجر على فعل قاصر على فاعله لا يتعدى نفعه كصوم وصلاة خلفه وكحجة عن نفسه واعتكافه؛ لأنه ليس من المصالح إذ لا تدعو حاجة بعض الناس إلى بعض من أجله؛ ولأن الأجر عوض الإنتفاع فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها ومَن نفعه قاصر على نفسه كالحاج عن نفسه والمعتكف والطائف عنها لا يجوز له أن يأخذ رزقًا من بيت المال إلا ما فضل عمَّن نفعهُ متعدِّ، وتقدم أن الفاضل عمن تعدى نفعه يقسم بين المسلمين غنيهم وفقيرهم لاشتراكهم فيه، والاشتراك يقتضي التسوية، وصح استئجار لحجم وفصد، ولا يحرم أجره؛ لما روى ابن عباس قال: «احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعطى الحجام أجره»، ولو كان حرامًا لم يعطه، متفق عليه. وفي لفظ: لو علمه خبيثًا لم يعطه؛ ولأنها منفعة مباحة لا يختص أن يكون فاعلها من أهل القرية فجاز الاستئجار عليها كالرضاع، وكره لحر لا رقيق أكل أجرته، ولو أخذها بلا شرط تنزيهًا له ويطعمه رقيقًا وبهائم؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «كسب الحجام خبيث» متفق عليه.

وقال: «أطْعمه ناضِحَك ورقيقكَ» رواه الترمذي وحسنه. فعلم منه أنه ليس بحرام إذ غيرُ جائز أن يُطعِمَ رقيقه ما يحرم أكله؛ فإن الرقيق آدمي يُمنع من

<<  <  ج: ص:  >  >>