للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله»، خص منهم أهل الكتاب بقوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، والمجوس بقوله: «سنوا بهم سُّنة أهل الكتاب» فمن عداهما يبقى على مقتضى العموم؛ ولأن الصحابة - رضي الله عنهم - توقفوا في أخذ الجزية من المجوس، ولم يأخذ عمر الجزية، حتى روى له عبد الرحمن بن عوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سنوا بهم سُّنة أهل الكتاب».

وثبت عندهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا يدل على أنهم لم يقبلوا الجزية ممن سواهم؛ فإنهم إذا توقفوا فيمن له شبهة كتاب، فيمن لا شبهة له أولى، ثم أخذ الجزية منهم للخبر المختص بهم، فيدل على أنهم لم يأخذوها من غيرهم؛ ولأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سنوا بهم سُّنة أهل الكتاب» يدل على اختصاص أهل الكتاب ببذل الجزية، إذ لو كان عامًا في جميع الكفار، لم يختص أهل الكتاب بإضافتها إليهم؛ ولأنهم تغلظ كفرهم لكفرهم بالله وكتبه ورسله، ولم تكن لهم شبهة، فلم يقروا ببذل الجزية كقريش، وعبدة الأوثان من العرب؛ ولأن تغليظ الكفر له أثر في تحتم القتل.

وكونه لا يقر بالجزية بدليل المرتد؛ وأما المجوس، فإن لهم شبهة كتاب، والشبهة تقوم مقام الحقيقة، فما يبنى على الاحتياط، فحرمت دماؤهم، ولم يثبت حل نسائهم وذبائحهم؛ لأن الحل لا يثبت بالشبهة؛ ولأن الشبهة لما اقتضت تحريم دمائهم اقتضت تحريم ذبائحهم ونسائهم ليثبت التحريم في المواضع كلها تغليبًا له على الإباحة، ولا نسلم أنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق. انتهى (ص ٣٨٦، ٣٨٧، ٣٨٨، ٣٨٩).

واختار الشيخ تقي الدين أخذ الجزية من الكل وأنه لم يبق أحد من

<<  <  ج: ص:  >  >>