للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حسن سيرة السلطان]

وقد تقدم الذكر أيضا في غير موضع من هذا الكتاب عن حسن سيرة السلطان بهذه الجهات: صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب وما له من المآثر المأثورة في الدنيا والدين ومثابرته على جهاد أعداء الله لأنه ليس إمام هذه البلدة بلدة للإسلام والشام أكثره بيدالإفرنج فسبب الله هذا السلطان رحمة للمسلمين بهذه الجهات فهو لا يأوى لراحة ولا يخلد إلى دعة ولا يزال سرجه مجلسه أنا بهذه البلدة نازلون منذ شهرين اثنين وحللناها وقد خرج لمنازلة حصن الكرك وقد تقدم الذكر أيضا له وهو عليه محاصر له حتى الآن والله تعالى يعينه على فتحه. وسمعنا أحد فقهاء هذه البلدة وزعمائها المسلمين بسدة١ هذا السلطان والحاضرين مجلسه يذكر عنه في حضرة محفل علماء البلد وفقهائه ثلاث مناقب في ثلاث كلمات حكاها عنه رأينا إثباتها هنا: إحداها أن الحلم من سجاياه فقال وقد صفح عن جزيرة أحد الجناة عليه: أما أنا فلأن أخطيء في العفو أحب إلي من أن أصيب في العقوبة وهذا في الحلم منزع أحنفي٢. وقال أيضا وقد تنوشدت بحضرته الأشعار وجرى ذكر من سلف من أكارم الملوك وأجوادهم: والله لو وهب الدنيا للقاصد الآمل لما كنت أستكثرها له ولو استفرغت له جميع ما في خزانتي لما كان عوضا مما أراقه من حر ماء وجهه في استمناحه إياي وهذا في الكرم مذهب رشيدي أو جعفري٣.

وحضره أحد مماليكه المتميزين لديه بالحظوة والأثرة مستعديا على جمال


١ السدة: باب الدار ومدخلها.
٢ الأحنفي: نسبة إلى الأحنف بن قيس، الذي اشتهر بالحلم.
٣ رشيدي: نسبة إلى هارون الرشيد. جعفري: نسبة إلى جعفر المتوكل أو إلى جعفر البرمكي.

<<  <   >  >>