للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الرياح العاصفة الغربية]

وفي النصف من ليلة الأحد الحادي عشر منه انقلبت الريح غربية وكشف النوء من المغرب وجاءت الريح عاصفة فأخذت بنا جهة الشمال وأصبحنا يوم الأحد المذكور والهول يزيد والبحر قد هاج هائجه وماج مائجه فرمى بموج كالجبال يصطدم المركب صدمات يتقلب لها على عظمه تقلب الغصن الرطيب وكان كالسور علوا فيرتفع له الموجا رتفاعا يرمى في وسطه بشآبيب كالوابل المنسكب. فلما جن الليل اشتد تلاطمه وصكت الأذان غماغمه واستشرى عصوف الريح فحطت الشرع واقتصر على الدلالين الصغار دون انصاف الصواري ووقع اليأس من الدنيا ووعنا الحياة بسلام وجاءنا الموج من كل مكان وظننا أنا قد احيط بنا فيا لها ليلة يشيب لها سودالذوائب مذكورة في ليالي الشوائب مقدمة في تعاد الحدواث والنوائب! ونحن منها في مثل ليل صول طولا١ فأصبحنا ولم نكد فكان من الاتفاقات الموحشة أن أبصرنا بر اقريطش عن يسارنا وجباله قد قامت أمامنا وكنا قد خلفناه عن يميننا فأسقطتنا الريح عن مجرانا ونحن نظن أنا قد جزناه فسقط في أيدينا وخالفنا المجرى المعهود الميمون وهو أن يكون البر المذكور منا يمينا في استقبال صقلية. فاستسلمنا للقدر وتجرعنا غصص هذا الكدر وقلنا:

سيكون الذي قضى ... سخط العبد أو رضى

وفي أثناء ذلك انبسطت الشمس ولان البحر قليلا وصممنا نروم أخذ مرسى في البر المذكور إلى أن يقضى الله قصاءه وينفذ حكمه ولكل سفر


١ مثل منتزع من قول حندج المري، الذي رواه ياقوت في مادة صول:
في ليل صول تناهى العرض والطول ... كأنما صبحه في الليل موصول
وصول بلد.

<<  <   >  >>