للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الرابع أسرته وأثرها في تكوين شخصيته

ذكرت سابقاً أن أبا الحسن من سلالة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وكان من فقهاء الصحابة وقرّائهم١، وقد أثنى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عليه وعلى قومه، وذلك فيما أخرجه الحاكم بسنده إلى سماك ابن حرب قال: "سمعت عياض الأشعري يقول: لما نزلت {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم قومك يا أبا موسى، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري" ٢.

وقد كان لأبي موسى وأحفاده من بعده مجهود ضخم في رعاية أمور المسلمين وخدمتهم٣، وقد كان أبو موسى نفسه أحد الحكمين بين علي ومعاوية رضي الله عن الجميع، ولا شك أن هذا الأصل الطيب له أثر في ثمرته الطيبة، ولا شك أن هذا ليس قاعدة مطردة، ولكني أردت هنا أن أبين مدى تأثر الأشعري بالبيئة التي عاش فيها، وما هو الدافع وراء تأثره بالاعتزال منذ حداثة سنه، وهذا ما سيتضح لنا فيما يأتي.

أما أبوه، فقد ذكر أبو بكر بن فورك أنه كان سنياً جماعياً حديثياً٤ وأنه أوصى بالأشعري عند وفاته إلى زكريا بن يحيى الساجي٥، وهو إمام في الفقه والحديث.

فوالد الأشعري إذاً من أهل السنة والجماعة، بل من أهل الحديث، ويظهر لنا حرصه وتمسكه بمذهب أهل الحديث ما قام به عند وفاته، حيث دفع ابنه إلى إمام من أئمة الحديث، وهو الحافظ زكريا الساجي محدث البصرة، وقد ذكر الذهبي في التذكرة أن الأشعري أخذ عنه مقالة أهل الحديث، كما ذكر ابن عساكر أن الأشعري روى عنه كثيراً في تفسيره٦.


١ انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد٦/١٦، والتهذيب لابن حجر ٥/٣٦٢.
٢ أخرجه الحاكم وقال عقبه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي ٢/٣١٣. وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد ٧/١٦.
٣ انظر: ما ذكره ابن عساكر في التبيين عن أبي موسى وفضله ومكانته، وكذلك أولاده من بعده ص٥٧–٩١.
٤ انظر: تبيين كذب المفتري ص٣٥.
٥ هو الإمام الحافظ محدث البصرة أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الساجي (ت/ ٣٠٧هـ) . انظر: ترجمته في تذكرة الحفاظ ٢/٧٠٩، والتبيين ص٣٥، وطبقات الشافعية الكبرى ٣/٢٩٩، وشذرات الذهب ٢/٢٥٠.
٦ التبيين ص٣٥.

<<  <   >  >>