للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث التاسع: مخالفة الأشعريين لمنهج الأشعري]

لقد تطور المذهب الأشعري تطوراً سريعاً ومخالفاً لما كان عليه واضعه الذي ينتسب المذهب إليه، حيث أصبح أتباع الأشعري يسلكون منهجاً آخر يخالف المنهج المذكور عن الأشعري سابقاً، وتعرضوا لآيات الصفات، فلم يثبتوا منها إلا ما أثبته العقل فقط، أما ما لا مجال للعقل فيه فتعرضوا له بالتأويل والتعطيل، ثم نسبوا ذلك كله للأشعري، دون أن يبينوا للناس أن هذا هو مذهب الأشعري الكلابي الذي كان عليه قبل أن يرجع إلى عقيدة السلف، ولكنه بعد رجوعه عنه لا يصح أن ينسب إليه.

ولتوضيح هذه الحقيقة سأسوق هنا كلام بعض من جاء بعد الأشعري في بعض الصفات وموقفهم منها، ومدى موافقته لمذهب الأشعري أو مخالفته.

أثبت الأشعري في كتابه الإبانة١، والرسالة التي نحن بصدد تحقيقها أن الله استوى على العرش، وأن عرشه فوق سماواته وأبطل قول المعتزلة في تأويلهم الاستواء بالاستيلاء فقال: "وأنه تعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وقد دل على ذلك بقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْض} ، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وليس استواه على العرش استيلاء كما قال أهل القدر، لأنه عز وجل لم يزل مستوياً على كل شيء"٢.

ومع هذا التصريح الواضح من الأشعري عن هذه الصفة وموقفه منها نجد أتباعه من بعده يذهبون فيها مذهباً آخر تماماً وهذا المذهب قد نص الأشعري نفسه على فساده وبطلانه.

فعبد القاهر البغدادي (ت/٤٢٩هـ) وهو من كبار الأشاعرة ينسب إلى الأشعري قولاً لم يقله في هذه الصفة وذلك بعد رجوعه إلى مذهب السلف، وهو أن الله أحدث فعلاً في العرش سماه استواء، ثم يقول: "والصحيح عندنا تأويل العرش في هذه الآية على معنى الملك، كأنه أراد أن الملك ما استوى لأحد غيره"٣.


١ انظر: الإبانة ص٣٠- ٤٠ طبعة الجامعة الإسلامية.
٢ انظر: رسائل الثغر ص٢٣ ب من المخطوطة.
٣ انظر: كتابه "أصول الدين" ص١١٣ من الطبعة الأولى بتركيا.

<<  <   >  >>