للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند العباس بن الحسن العَلَوي فجاء غلام له وقال يا مولاي كنت عند فلان فإذا هو يريد أن يموت فضحكنا فقال ممَّ ضحكتما؟ قلنا من قوله: يريد أن يموت وهل يريد الإنسان أن يموت؟ فقال العباس: قد قال الله تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} ١ وإنما هذا مكان يكاد. فتنبّهنا. والله أعلم.

[الفصل السابع والخمسون: في المجاز.]

قال الجاحظ:. للعرب إقدام على الكلام ثقة بفهم المخاطب من أصحابهم عنهم كما جوَّزوا قوله: أكله الأسود وإنَّما يذهبون إلى النَّهْشِ واللذع والعضِّ وأكل المال وإنَّما يذهبون إلى الإفناء كما قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} ٢. ولعلَّهم شربوا بتلك الأموال الأنبذة ولبسوا الحلل وركبوا الهماليج ولم ينفقوا منها درهما في سبيل الله إنما أُكِلَ. وجَوَّزوا: أكَلَتْهُ النَّار وإنَّما أُبطلت عينه. وجوَّزوا أيضاً أن يقولوا: ذُقت لما ليس يُطعم وهو قول الرجل إذا بالغ في عقوبة عبده: ذُق وكيف ذقته؟ أي وجدت طعمه. قال الله عزّ وجلّ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} ٣ وقال عزَّ من قائل: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} ٤ وقال تعالى: {فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} ٥ ثم قالوا: طَعِمتَ لغير الطعام كما قال المرجيّ: [من الطويل]

فإن شئتُ حَرَّمْتُ النساء سِواكُمُ ... وإن شِئتُ لم أطْعَم نُقاخاً ولا بَرْدا.

قال الله تعالى: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} ٦ يريد: ومن لم يذق طعمه. ولما قال خالد بن عبد الله في هزيمة له: أطْعِموني ماء قال الشاعر: [من البسيط]

بَلَّ السَّراويلَ مِنْ خَوفٍ ومِنْ دَهَشٍ ... واستَطْعَمَ الماء لما جَدَّ في الهَرَبِ.

فبلغ ذلك الحجاج فقال: ما أيسر ما تَعَلَّق فيه يا ابن أخي أليس الله تعالى يقول:


١ سورة الكهف الآية: ٧٧.
٢ سورة النساء: الآية ١٠.
٣ سورة الدخان: الآية ٤٩.
٤ سورة النحل الآية: ١١٢.
٥ سورة التغابن الآية: ٥.
٦ سورة البقرة الآية: ٢٤٩.

<<  <   >  >>