للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الديانات السماوية السابقة إلا دخلها التحريف والتبديل حتى صار الشرك طابعها، ما عدا دين محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى حفظ كتابه من التحريف, قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ١، وقال تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد} ٢.

وحاجة العباد إلى التوحيد كحاجتهم إلى الله في الخلق والرزق واستمرار الحياة, بل أعظم لأن أقصى ما يترتب على فقدان الطعام والشراب والحياة موت الأبدان, بينما يترتب على عدم التوحيد موت الأرواح واندثار الأديان والشقاء في الدنيا والآخرة ودخول النار والحرمان من الجنة٣.

والتوحيد الذي نتكلم عن ضرورته وحاجة العباد إليه ليس هو جعل الله واحدًا، فالله سبحانه واحد أحد بدون جعل جاعل، ولا نعني به كذلك التوقف عند الاعتقاد بوحدانية الله ذاتًا وصفاتًا وأفعالًا فحسب، بل يتبع هذا الاعتقاد حقه من التسليم المطلق لله والخضوع والطاعة والانقياد التام، وعدم صرف شيء من العبادات القولية والفعلية والمالية والقلبية لغيره سبحانه؛ لأن التوحيد ليس كلمة تقال باللسان دون أن تستقر في القلب وتظهر آثارها على الإنسان في منهج كامل للحياة يبدأ من الاعتقاد الصحيح وينتهي بتنظيم شامل لحياة الفرد والجماعة، والتوحيد الصحيح لاحد لتأثيره في رقي الحياة البشرية في كل جوانبها؛ ولذلك استحق أن يرسل الله من أجله كل هؤلاء الرسل, وأن يبذلوا في سبيله كل هذه الجهود ويتحملوا الآلام، لا لأن الله سبحانه في حاجة لتوحيد العباد إياه؛ ولكن لأن استقامة الحياة البشرية وصلاحها متوقف على التوحيد.


١ سورة الحجر آية ٩.
٢ سورة فصلت آية ٤٢.
٣ انظر إغاثة اللهفان ١/٣٠ والفتاوى ١٩/٩٦ ومفتاح دار السعادة ٢/٢ وشرح الطحاوية ص١٣.

<<  <   >  >>