للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الطبري: "وإنما قال جل ثناؤه {رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} فخصها بالذكر دون سائر البلدان وهو رب البلاد كلها؛ لأنه أراد تعريف المشركين من قوم رسوله الله صلى الله عليه وسلم الذين هم أهل مكة بذلك نعمته عليهم وإحسانه إليهم, وأن الذي ينبغي أن يعبدوه هو الذي حرم بلدهم فمنع الناس منهم وهم في سائر البلاد يأكل بعضهم بعضًا ويقتل بعضهم بعضًا, لا مَن لم تجر له عليهم نعمة ولا يقدر لهم على نفع ولا ضر"١.

وأما السبب الذي تعلل به المشركون لعدم الإيمان فهو خوفهم من حولهم من الأمم, فبدل أن يشكروا الله ويوحدوه كفروا وقالوا: "إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا" فخشي بعض المشركين إن اتبعوا محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما جاء به من الهدى والتوحيد أن يقصدهم من حولهم من أحياء العرب بالأذى والمحاربة ويتخطفوهم، والله تعالى قد حرم مكة على الناس أن يدخلوها بغارة وحرب، فكان أهلها في أمن والناس من حولهم في قتل وسبي، فكان موقفهم من هذه النعمة أن آمنوا بالشرك وعبدوا الأصنام وكفروا بالله وخافوا أن يذهب توحيدهم لله بأمنهم واستقرارهم، فأجابهم القرآن بأن هذا الاعتذار باطل؛ لأن الله جعلهم آمنين به من كفرهم فمن باب أولى أن يكونوا كذلك في حال إيمانهم.

عن قتادة قال: "كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا وإذا خرج أحدهم فقال: "إني من أهل الحرم، لم يتعرض له وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل"٢.

ويقول الطبري في تفسيره لقوله تعالى: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} : أو لم ير هؤلاء المشركون من قريش ما خصصناهم به من نعمتنا عليهم دون سائر


١ تفسير الطبري ٢٠/٢٥ وانظر تفسير ابن كثير ٣/٣٧٨.
٢ تفسير الطبري ٢٠/٩٤.

<<  <   >  >>