للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تقديم العقل على الشرع وجنوحهم إلى التأويل وإيجابهم النظر]

...

٢- تقديمهم العقل على الشرع وجنوحهم إلى التأويل وإيجابهم النظر:

يمتاز منهج المتكلمين بتقديمهم فيه العقل على الشرع وتحكيمه في أمور لا يملك الحكم فيها، وخوضه فيما وراء المادة، ويوجبون النظر ويقدمون في كتبهم الكلام في النظر والدليل والعلم وأن النظر يوجب العلم، ويتكلمون في جنس النظر وجنس الدليل وجنس العلم بكلام قد اختلط فيه الحق بالباطل، ثم إذا صاروا إلى ما هو الأصل والدليل للذين استدلوا بحدوث الأعراض على حدوث الأجسام, وهو دليل مبتدع في الشرع وباطل في العقل، وإذا استدلوا بالقرآن فإنما يستدلون به من جهة إخباره لا من جهة دلالته، ولا يذكرون في كتبهم أن القرآن قد دل على الوحدانية بالأدلة العقلية، وبهذا نرى أن اعتماد المتكلمين في براهينهم على العقل والتأويل -كان مظهرًا بارزًا لطريقتهم وسببًا أساسيًّا في نشوء الخلافات الكلامية مما لم يعرفه الصحابة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم١.

وأما بالنسبة لإيجابهم النظر فليست هي طريقة السلف ولا وافقهم عليها أحد منهم؛ لأن الإقرار بالصانع فطري حتى عند أعظم الأمم شركًا، وقد ذمهم السلف لهذا الإيجاب، وبينوا أن أول ما أوجب الله على عباده هي الشهادة، وليس من الرسل أحد قال لقومه: إنكم مأمورون أولًا بطلب معرفة الخالق فانظروا واستدلوا حتى تعرفوه؛ لأن الله تعالى لم يكلف الإنسان أولًا بنفس المعرفة ولا بالأدلة الموصلة إلى المعرفة؛ إذ إن قلوب الخلق تعرفه وتقر به، وقد أوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وكان دائمًا يستشهد بحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له: "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله"، وفي رواية "إلى أن يوحدوا الله"، ومثل ذلك جميع الرسل أول ما افتتحوا به دعوتهم: توحيد الله


١ انظر الفتاوى ٤/٥٨ و١٩/١٥٩-١٦٠، وضحى الإسلام لأحمد أمين ٣/١٦.
٢ انظر الفتاوى ٢/٢٣ و٥/٥٤٣ و١٦/٣٢٨-٣٣٢ وتلبيس الجهمية ٢/٤٧٣ والتنبيهات السنية ص١١١.

<<  <   >  >>