للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدرك عندئذ أنه بذلك يقتل نفسه فيرتدع عن الإقدام عليه؛ ولهذا قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ١، والقصاص يقتضي إجراء الضرر في المعتدي بالقدر الذي أجراه في المعتدى عليه، والسر في ذلك هو الحد من نزعة الانتقام وإيقاف الفتن؛ لأن الإِنسان إذا اعتدي عليه ولحق به من جراء ذلك ضرر يحاول أن يعتدي أكثر مما اعتدي عليه، وأن يلحق ضررًا بالمعتدي أكثر مما لحق به، وذلك تكبرا وتجبرا، فإذا اعتدى عليه واحد من قوم يتعدى على القوم كله، وإذا أريق من دمه يريق دم المعتدي كله، وإذا قتل واحد من قومه يحاول قتل قوم القاتل، وبذلك تستحيل الحياة، والقصاص يحفظ الحياة، وصدق الله العظيم {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} ٢.

ثم إن الإسلام دعا إلى العفو وهو فضيلة أخلاقية هامة في الحياة؛ إذ إن العفو يؤدي إلى إزالة الأضغان والأحقاد وينقذ حياة الناس؛ ولهذا حبب الإسلام إلى الناس العفو والصفح حتى في القصاص {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} ٣، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ٤، ولم يدع الإسلام إلى العفو فحسب بل دعا أيضا إلى معاملة السيئة بالحسنة؛ لأنها أكبر عامل خلق المودة بين الناس؛ ذلك أن الإنسان المسيء عندما يرى الإحسان ممن أساء إليه يزيد تقديره


١ المائدة: ٤٥.
٢ البقرة: ١٧٩.
٣ الشورى: ٤٠.
٤ البقرة: ١٧٨.

<<  <   >  >>