للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثا: مجالات الالتزام الأخلاقي ودرجاته:

إن مجالات الالتزام الأخلاقي هي مجالات الخير كله فإن الإنسان ملزم بعمل الخير وتجنب الشر في كل وقت وفي كل مكان، غير أن الخيرات كثيرة فلا يستطيع الإنسان عمل الخيرات كلها طولاً وعرضاً، إذ إن قدراته محدودة وزمنه كذلك محدود فلا بد إذن من أن تكون هناك درجات في الإلزام ومراتب في الأعمال الأخلاقية حتى لا يقف الإنسان موقف الحيرة في فعل بعضها وترك بعضها الآخر وخاصة إذا كان هناك تعارض وإذا أدى فعل بعضها إلى ترك بعضها الآخر، لذا نرى أن الإسلام رتب الأعمال الأخلاقية إلى لازم وألزم فألزمها فرض العين ثم فرض الكفاية ثم الواجب ثم السنة المؤكدة ثم السنة غير المؤكدة ثم النوافل وأخيراً الكماليات. كذلك رتب المحرمات أو الشرور إلى كبائر وصغائر ثم المكروهات وخلاف الأولى. ثم قسمها من جهة أخرى من حيث الواجبات المحدودة وغير المحدودة والمؤقتة وغير المؤقتة. وحدد مسافة بين الخير والشر لا هي خير ولا هي شر وهي المباحات وأحد طرفيها متصل بالخير والآخر متصل بالشر وأمر الناس بالاتجاه نحو الخير والابتعاد عن الشر؛ لأن الذي يرتع حول حدود الشيء يوشك أن يقع فيه، فقد شبه الرسول موقف الإنسان من حدود المحرمات بموقف الراعي الذي يرعى حول الحمى فإنه يوشك أن يتجاوز حدوده إذا اقترب منها فقال: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه" ١. وقال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ٢، والحقيقة أن معالجة


١ فتح الباري بشرح البخاري جـ ١ كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه ص ١٣٤.
٢ فتح الباري بشرح البخاري جـ ٥ كتاب البيوع، باب تفسير المشبَّهات ص ١٩٥.

<<  <   >  >>