للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلا يمكن أن نجد حديثاً معللاً إلا دونه سبب لا يظهر لعامة الناس، لكن يختصر المعلل الحكمَ فيذكر حكمه بدون إبداء السبب.

وقد استدلَّ بقول ابن مهدي بَعضُ من له هوى في إنكار الحديث فتوسّع في تفسيره والاستدلال به فقال: إن المحدث قد يرى الحديث المتفق على صحته أنه ضعيف فهو ضعيف عنده، وبالعكس، ولا يستطيع إقامة الحجة على ذلك، وهو معذور في حكمه هذا، كالصيرفي الناقد يحكم على الدراهم بالزيف والصالح ويعجز عن إبانة السبب.

فنقول: ليس الأمر كما ذكر وفَهِم هذا البعض، فالواقع يخالف قوله، فهذه كتب العلل أمامنا إن وجد الإيجاز والاختصار في بعض المواضع منها نجد التفصيل في مواضع أخرى، فمثل المعلل كمثل الطبيب الحاذق إذا عرض له شخص ظاهره السلامة من الأمراض، لا يظهر المرض فيه لعامة الناس، فينظر فيه أوّل نظرة، ويبدي رأيه إجمالاً: أن فيه مرض كذا، فإذا أجرى له الفحص والفَسْر والتحليل والأشعة والاختبار يظهر صدق قوله بوضوح.

كما قال نعيم بن حماد: "قلت لابن مهدي: كيف تعرف صحيح الحديث من سقيمه؟ قال: كما يعرف الطبيب المجنون" (١) .

فالأمر كما قال الحاكم: "والحجة عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير، وليس لهذا العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة؛ ليظهر ما يخفى من علة الحديث" (٢) .


(١) انظر شرح علل الترمذي لابن رجب (١/١٩٩) .
(٢) معرفة علوم الحديث (ص٦٠، ١١٣) .

<<  <   >  >>