للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مُبَلَّغٍ أوعى من سامع" (١) . فإن كان آلاف الصحابة يتعلمون منه خارج بيوته في وضح النهار وإدباره أعماله وحركاته، فمن أين لنا أن نعلم سننه وأموره ولياليه بعدما تتشرف به جدران حجراته فتستر وجوده الشريف عن أعين الناس بما يأتي به، ويذر في جنح الظلام؟ نعم، هناك أزواجه أمهات المؤمنين الكثيرات ينقلن عنه أموره الخاصة حتى مما يستحيا من ذكره، ولكنه دين الله وأمر الله لتبليغ دينه، فنجدهن ينقلن إلى أبنائهن ما كان يعمله النبي صلى الله عليه وسلم في خلوته معهن.

ثم وراء هذا يحرص أحدهم من محارم أمهات المؤمنين أن يبيت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يتعلم كيف كان يقضي صلى الله عليه وسلم ليله في عبادة ربه، ويصعد أحدهم على سطح بيت إحدى أمهات المؤمنين -وهي أخته- لبعض حاجته، فيتفق له أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في الكنيف يقضي حاجته، فيروي في ذلك: "فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستدبراً القبلة مستقبلاً الشام" (٢) .

وبذلك يجب أن نؤمن أنه لا يمكن أن تكون كلمة من النبي صلى الله عليه وسلم ضاعت بل حفظت حفظاً تاماً.

وإن بعضهم كان يعالج الشدة في حفظ السنة، فإذا اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم نسيانه وتَفَلُّتَ محفوظه، أشكاه صلى الله عليه وسلم بدعوته المباركة.

ثم صار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معلمين لأصحابهم، فأدوا الأمانة إلى تابعيهم، وتابعوهم إلى تابعيهم، حتى دونت السنة تدويناً في الكتب، وحُفظت عن ظهر القلوب.


(١) صحيح الجامع الصغير (٦/٢٩) .
(٢) انظر صحيح البخاري (١/٢٥٠) ، كتاب الوضوء، باب التبرز في البيوت.

<<  <   >  >>