للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كانت خاليةً من ذلك وعاريةً منه وقت رسمها وحين توجيهها إلى الأمصار ((ما شاهدوه من أهل عصرهم، مع قُرْبهم من زمن الفصاحة، ومشاهدة أهلها مِنْ فساد ألسنتهم، واختلاف ألفاظهم، وتغيُّر طباعهم، ودخول اللحن على كثير من خواصِّ الناس وعوامِّهم، وما خافوه مع مرور الأيام وتطاول الأزمان مِنْ تزيُّدِ ذلك وتضاعُفه فيمن يأتي بعد ... لكي يُرْجَعَ إلى نَقْطها، ويُصار إلى شكلها عند دخول الشكوك وعدم المعرفة، ويتحقق بذلك إعراب الكَلِم وتُدرك به كيفية الألفاظ)) .

وثمة روايات تاريخية تُرجع عصرَ نَقْطِ الإعجام إلى زمن الصحابة وقبل أن يُكتب المصحف الإمام في عهد عثمان رضي الله عنه. وقد أشار بعض المؤرخين (١) إلى وثيقةٍ من وثائق البُرْدي، يرجع عهدها إلى عام ٢٢هـ، وفيها حروف منقوطة.

كما أن الفراء (٢) نقل عن سفيان بن عيينة أن زيد بن ثابت وجد حجراً مكتوباً عليه آية من غير تنقيط فنقَّطها، كما أن بعض الصحابة كره النقط، ودعا إلى تجريد المصحف منه كعبد الله بن مسعود (٣) . وليس المقام هنا تحقيق مَنْ بدأ بهذا العمل الجليل، وإنما المقام أن نشير إلى أن غَيْرة علماء العربية من السلف على القرآن هي التي دفعَتْهم إلى هذين العملين: نقط الإعجام والحركات.


(١) المفصَّل في تاريخ النحو ٦٨.
(٢) معاني القرآن ١ / ١٧٢.
(٣) المحكم ١٠.

<<  <   >  >>