للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى يَجِيءَ أَصْحَابُهُ، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَرْخَى زِمَامَ نَاقَتِهِ لِتَشْرَبَ، فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَانْتَزَعَ حَجَرًا فَفَاضَ الْمَاءُ، فَرَفَعَ الْأَعْرَابِيُّ خَشَبَةً فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ الْأَنْصَارِيِّ فَشَجَّهُ، فَأَتَى الْأَنْصَارِيُّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَخْبَرَهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ثُمَّ قَالَ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، يَعْنِي الْأَعْرَابَ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيُخْرِجِ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَأَنَا رِدْفُ عَمِّي: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، فَأَخْبَرْتُ عَمِّي، فَانْطَلَقَ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَلَفَ وَجَحَدَ

وَاعْتَذَرَ، فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَّبَنِي، فَجَاءَ إِلَيَّ عَمِّي فَقَالَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا أَنْ مَقَتَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَّبَكَ الْمُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ عَلَيَّ مِنَ الْغَمِّ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ، فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ أَتَانِي فَعَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، فَمَا كَانَ يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} حَتَّى بَلَغَ {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} حَتَّى بَلَغَ {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}

قال أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَأَصْحَابُ السِّيَرِ: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَنَزَلَ عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ: الْمُرَيْسِيعُ، فَوَرَدَتْ وَارِدَةُ النَّاسِ وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَجِيرٌ لَهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ: جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ يَقُودُ فَرَسَهُ، فَازْدَحَمَ جَهْجَاهٌ وَسِنَانٌ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَوْفٍ مِنَ الْخَزْرَجِ عَلَى الْمَاءِ، فَاقْتَتَلَا، فَصَرَخَ الْجُهَنِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَصَرَخَ الْغِفَارِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَعَانَ جَهْجَاهًا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يُقَالُ لَهُ "جُعَالٌ"؛ وَكَانَ فَقِيرًا. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: وَإِنَّكَ لَهُنَاكَ! فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ؟! وَاشْتَدَّ لِسَانُ جُعَالٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَأَذَرَنَّكَ، وَيَهُمُّكَ غَيْرُ هَذَا شَيْءٌ؟. وَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُهُمْ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ

<<  <   >  >>