للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعدهم فقال إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم فابتداء عبادة الأوثان كان ذلك، وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صور أولئك القوم المسلمين. قلت: وموجب ذلك كله الغلو شيئاً فشيئاً حتى تعدى عن الحد، وآل الأمر إلى الشرك بالله فعكفوا على قبورهم وذلك بما صوروا صورهم ثم طال عليهم الأمد فغفلوا عن التوحيد وغلوا فيها فأشركوا فعبدت فلذلك نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن الغلو حذراً مما وقع قبل من الشرك بسببه. وعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" أخرجاه١. ولمسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو" ٢.

بين صلى الله عليه وسلم أن الغلو هو داء العضال الذي في الأمم الماضية فأهلكوا به قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} . [الروم: ٤٢] . ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هلك المتنطعون" ٣، قالها ثلاثاً. ففُسِّر بالذين يبالغون في الأمور.


١ أخرجه البخاري (٣٤٤٥) من حديث عمر مرفوعاً، ولم يروه مسلم.
٢ أخرجه النسائي (٥/٢٦٨) وابن ماجه (٣٠٢٩) وأحمد (١/٢١٥) من حديث ابن عباس مرفوعاً، والحديث لم يروه مسلم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاقتضاء" ١/٢٨٩: إسناده صحيح على شرط مسلم.
٣ أخرجه مسلم (٢٦٧٠) من حديث ابن مسعود مرفوعا.

<<  <   >  >>