للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥٣- باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

في " الصحيح " عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " لا يقل

...........................................................................................................

قال - رحمه الله تعالى -: وفصل الخطاب أن يقال الحق في مجموع القولين، فكل منهما معه بعض الحق والصواب في مجموعهما، وإنما يتبين ذلك بقاعدة وهي أن حق من دعا الله بأسمائه الحسنى أن يتوسل في كل مطلب، ويسأل بالاسم المقتضي لذلك المطلوب المناسب لحصوله حتى إن الداعي متشفع إلى الله تعالى متوسل به إليه، فإذا قال: رب اغفر لي وتب عليّ إنك التواب الغفور، فقد سأله بأمرين وتوسل إليه باسمين من أسمائه مقتضيين لحصول مطلوبه، فالمقام لما كان مقام طلب السلامة التي هي أهم عند الرجل أتى في لفظها بصيغة اسم من أسماء الله وهو السلام الذي تطلب منه السلامة، وهو مقصود المسلم، فقد تضمن سلام عليكم اسما من أسماء الله تعالى وطلب السلامة منه، فتأمل هذه الفائدة.

وحقيقته البراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب، وعلى هذا المعنى تدور تصاريفه، فمن ذلك قولك: سلمك الله، ومن دعاء المؤمنين على الصراط: اللهم سلم سلم. ومنه سلم الشيء لفلان أي خلص له وحده كما قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ} ١ أي خالصا له وحده لا يملكه معه غيره، ومنه السلم ضد الحرب؛ لأن كل واحد من المتحاربين يخلص ويسلم من أذى الآخر، ولهذا بني فيه على المفاعلة فيقال المسالمة مثل المشاركة، ومنه القلب السليم وهو النقي من الدغل والعيب، وحقيقته الذي قد سلم الله وحده فخلص من دغل الشرك وغله ودغل الذنوب والمخالفات، بل هو المستقيم على صدق حبه وحسن معاملته، وهذا هو الذي ضمن له النجاة من عذابه والفوز بكرامته، ومنه أخذ الإسلام فإنه من هذه المادة؛ لأنه الاستسلام والانقياد له والتخلص من شوائب الشرك، فسلم لربه وخلص له كالعبد الذي سلم لمولاه ليس له فيه شركاء متشاكسون، ولهذا ضرب سبحانه هذين المثلين للمسلم الخالص لربه، وللمشرك به.

باب قول اللهم اغفر لي إن شئت

قوله: " لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت "الحديث، بخلاف العبد فإنه قد يعطي السائل مسألته لحاجته إليه أو لخوفه أو رجائه فيعطيه مسألته وهو كاره، فاللائق


١ سورة الزمر آية: ٢٩.

<<  <   >  >>