للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رواية السماع؛ لبعد احتمال تطرق التصحيف والغلط عليها (١) ، وقد اختلف علماء الحديث في صحة الرواية بالمكاتبة -بعد اتفاقهم على صحة الرواية بالسماع- والصحيح جوازها، مما يدل على أنها أقل مرتبة من السماع (٢) ، فتقرر تقديم الحفظ على الكتابة، ولاسيما عند العرب، تلك الأمة الأمية، التي يقلُّ فيها من يعرف الكتابة، ولذا كان جلُّ اعتمادهم في تواريخهم وأخبارهم على الحفظ، حتى قويت عندهم هذه الملكة، فكانوا مطبوعين عليها مخصوصين بها، يعِزُّ أن يقع منهم خطأٌ أو نسيانٌ لشيءٍ مما حفظوه، وإذا كان هذا حالهم في الجاهلية، ففي الإسلام أعظم (٣) ، حيث اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقيَّضهم لحمل هذا الدين عنه، وتبليغه لمن بعدهم، فملأ قلوبهم بالإيمان والتقوى والخوف منه: أن يبلغوا شيئاً من أحكام هذا الدين على خلاف ما رأوا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أو سمعوه منه، وقريبٌ منهم من اجتمع بهم وشاهد أحوالهم واقتفى آثارهم من التابعين لهم بإحسان رضي الله تعالى عنهم أجمعين (٤) .


(١) انظر: "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي ٤: ٢١٥.
(٢) انظر: "فتح الباري"١: ١٥٤.
(٣) مما يذكر عن الصحابة والتابعين في قوة الحفظ: أنّ ابن عباس -رضي الله عنه- حفظ قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي مطلعها: أمن آل نُعمٍ أنتَ غادٍ فمُبْكِرُ غداةَ غدٍ أم رائحٌ فمهجِّر في سمعةٍ واحدة، وعدتها خمسة وسبعون بيتاً، ويقول الزهري: إني لأمر بالنقيع، فأسدُّ أذني مخافة أن يدخل فيها شيءٌ من الخنا، فوالله ما دخل أذني شيءٌ قط فنسيته، ويقول الشعبي: ما كتبت سوداء في بيضاء قط، وما حدثني أحدٌ بحديثٍ، فأحببت أن يعيده علي. انظر: "جامع بيان العلم" ١: ٨٣، "سنن الدارمي" ١: ١٠٢، "فتح المغيث" ٣: ٣٥.
(٤) انظر: كتاب "دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين" للدكتو محمد أبو شهبة: ١٩٩، ٢٠٠، وكتاب "بيان الشبه التي أوردها بعض من ينكر حجية السنة والرد عليها " للدكتور عبد الغني عبد الخالق: ٤١٣ –رحمهما الله تعالى– فقد أجادا وأفادا وأطال الثاني في الرد على هذه الشبهة من جهة أن عدم الكتابة للسنة يلزم منه عدم الحجية، وما كتبته في هذه الفقرة ملخصٌ في الغالب من كلامه رحمه الله تعالى.

<<  <   >  >>