للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن القرآن حين أعلن هذه الوحدة الإنسانية العالمية على صعيد الحق والخير والكرامة جعل حضارته عقدًا تنتظم فيه جميع العبقريات للشعوب والأمم التي خفقت فوقها راية الفتوحات الإسلامية؛ ولذلك كانت كل حضارة تستطيع أن تفاخر بالعباقرة من أبناء جنس واحد، وأمة واحدة؛ إلا الحضارة الإسلامية فإنها تفاخر بالعباقرة الذين أقاموا وحدتها من جميع الأمم والشعوب

ثم إننا نلحظ التركيز على هذا المعنى الإنساني الخير الذي قامت عليه شريعة الله -تبارك وتعالى- لتحقيق مثل العدل والرحمة ومصالح البشر جميعًا، وسعادتهم الكاملة؛ كلما تعمقنا في فهم هذه الشريعة وأحكامها التي تبني الحق وتدور معه، وتقيم الوجود البشري على الحكم والمصالح العامة والعدل والرحمة وكل المثل الإنسانية العليا.

قال الإمام ابن القيم:

"إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَمِ ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور.. ومن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة -وإن دخلت فيها بالتأويل- فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه؛ فهي بالحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه إضاعتها؛ فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا وفي الآخرة"٢.


١ الدكتور مصطفى السباعي: "من روائع حضارتنا" ص٣١.
٢ ابن القيم: "إعلام الموقعين" ٣ ص١.

<<  <   >  >>