للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- الحكمة الثانية: التحدي والإعجاز.

فالمشركون تمادوا في غيهم، وبالغوا في عُتوِّهم، وكانوا يسألون أسئلة تعجيز وتحد يمتحنون بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نبوته، ويسوقون له من ذلك كل عجيب من باطلهم، كعلم الساعة: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} ١، واستعجال العذاب: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} ٢, فيتنزل القرآن بما يبين وجه الحق لهم، وبما هو أوضح معنى في مؤدى أسئلتهم، كما قال تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} ٣, أي ولا يأتونك بسؤال عجيب من أسئلتهم الباطلة إلا أتيناك نحن بالجواب الحق، وبما هو أحسن معنًى من تلك الأسئلة التي هي مَثل في البطلان.

وحيث عجبوا من نزول القرآن مُنَجَّمًا بيَّن الله لهم الحق في ذلك، فإن تحديهم به مفرقًا مع عجزهم عن الإتيان بمثله أدخل في الإعجاز، وأبلغ في الحجة من أن ينزل جملة ويقال لهم: جيئوا بمثله، ولهذا جاءت الآية عقب اعتراضهم: {لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} أي لا يأتونك بصفة عجيبة يطلبونها كنزول القرآن جملة إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا وبما هو أبين معنًى في إعجازهم، وذلك بنزوله مفرقًا، ويشير إلى هذه الحكمة ما جاء ببعض الروايات في حديث ابن عباس عن نزول القرآن: "فكان المشركون إذا أحدثوا شيئًا أحدث الله لهم جوابًا"٤.


١ الأعراف: ١٨٧.
٢ الحج: ٤٧.
٣ الفرقان: ٣٣.
٤ أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس.

<<  <   >  >>