للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن أبيه: أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه" ورجاله ثقات مع انقطاعه، قال ابن حجر: "وكأن المراد بالشاهدين: الحفظ والكتاب" وقال السخاوي١ في "جمال القراء": "والمراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كُتِب بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن" قال أبو شامة: "وكان غرضهم أن لا يُكتب إلا من عين ما كُتِبَ بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- لا من مجرد الحفظ، ولذلك قال في آخر سورة التوبة: "لم أجدها مع غيره" أي لم أجدها مكتوبة مع غيره لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة"٢.

وقد عرفنا أن القرآن كان مكتوبًا من قبل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنه كان مفرَّقًا في الرقاع والأكتاف والعسب. فأمر أبو بكر بجمعه في مصحف واحد مرتب الآيات والسور وأن تكون كتابته غاية من التثبيت مشتملة على الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، فكان أبو بكر -رضي الله عنه- أول مَن جمع القرآن بهذه الصفة في مصحف، وإن وُجِدَت مصاحف فردية عند بعض الصحابة، كمصحف علي، ومصحف أُبَي، ومصحف ابن مسعود، فإنها لم تكن على هذا النحو، ولم تنل حظها من التحري والدقة، والجمع والترتيب، والاقتصار على ما لم تُنسخ تلاوته، والإجماع عليها، بمثل ما نال مصحف أبي بكر، فهذه الخصائص تميَّز بها جمع أبي بكر للقرآن، ويرى بعض العلماء أن تسمية القرآن بالمصحف نشأت منذ ذلك الحين في عهد أبي بكر بهذا الجمع، وعن علي قال: "أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول مَن جمع كتاب الله".

وهذا الجمع هو المسمى بالجمع الثاني.


١ هو علي بن محمد بن عبد الصمد المشهور بالسخاوي، له منظومة في القراءات تعرف بالسخاوية، توفي سنة ٦٤٣ هجرية.
٢ انظر الإتقان جـ١ ص٥٨.

<<  <   >  >>