للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفواصل ورءوس الآي]

تميز القرآن الكريم بمنهج فريد في فواصله ورءوس آياته، ونعني بالفاصلة: الكلام المنفصل مما بعده، وقد يكون رأس آية وقد لا يكون، وتقع الفاصلة عند نهاية المقطع الخطابي، سميت بذلك لأن الكلام ينفصل عندها.

ونعني برأس الآية: نهايتها التي توضع بعدها علامة الفصل بين آية وآية، ولهذا قالوا١: "كل رأس آية فاصلة، وليس كل فاصلة رأس آية، فالفاصلة تعم النوعين، وتجمع الضربين"، لأن رأس كل آية يفصل بينها وبين ما بعدها.

ومثل هذا قد يُسمى في كلام الناس سجعًا على النحو المعروف في علم البديع، ولكن كثيرًا من العلماء٢ لا يطلق هذا الوصف على القرآن الكريم سُمُوًّا به عن كلام الأدباء، وعبارات الأنبياء، وأسلوب البلغاء وفرَّقوا بين الفواصل والسجع، بأن الفواصل في القرآن: هي التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة لذاتها.

أما السجع: فهو الذى يُقصد في نفسه ثم يحيل المعنى عليه، لأنه: موالاة الكلام على وزن واحد، ورد القاضي أبو بكر الباقلاني على من أثبت السجع في القرآن فقال: "وهذا الذي يزعمونه غير صحيح، ولو كان القرآن سجعًا لكان غير خارج عن أساليب كلامهم، ولو كان داخلًا فيها لم يقع بذلك إعجاز، ولو جاز أن يُقال: هو سجع مُعجز لجاز لهم أن يقولوا: شِعر معجز، وكيف؟ والسجع مما كانت كهان العرب تألفه، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفى الشعر، لأن الكهانة تخالف النبوات بخلاف الشِّعر. وما توَّهموا أنه سجع


١ انظر "البرهان" للزركشي جـ١ ص٥٣.
٢ على رأس هؤلاء "الرماني" في كتاب "إعجاز القرآن" والقاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب "إعجاز القرآن" كذلك.

<<  <   >  >>