للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فوائد معرفة سبب النزول]

لمعرفة سبب النزول فوائد أهمها:

أ- بيان الحكمة التي دعت إلى تشريع حكم من الأحكام وإدراك مراعاة الشرع للمصالح العامة في علاج الحوادث رحمة بالأمة.

ب- تخصيص حكم ما نزل إن كان بصيغة العموم بالسبب عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللَّفظ، وهي مسألة خلافية سيأتي لها مزيد من الإيضاح، وقد يُمثَّل لهذا بقوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ١, فقد رُوِيَ أن مروان قال لبوَّابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أُوتي وأحب أن يُحمد بما لم يفعل يُعذب لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية، إنما نزلت في أهل الكتاب. ثم تلا: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} ٢ ... الآية. قال ابن عباس: سألهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء فكتموه إياه وأخذوا بغيره، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أوتوا من كتمان ما سألهم عنه"٣.

جـ- إذا كان لفظ ما نزل عامًّا وورد دليل على تخصيصه فمعرفة السبب تُقصر التخصيص على ما عدا صورته، ولا يصح إخراجها، لأن دخول صورة السبب في اللفظ العام قطعي، فلا يجوز إخراجها بالاجتهاد لأنه ظني، وهذا هو ما عليه الجمهور وقد يُمثَّل لهذا بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ, يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ, يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} ٤.. فإن هذه الآية نزلت في عائشة خاصة، أو فيها وفي سائر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-


١ آل عمران: ١٨٨.
٢ آل عمران: ١٨٧.
٣ أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
٤ النور: ٢٣، ٢٥.

<<  <   >  >>