للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزهري: وذلك لقوله: "لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به، فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب إنا أخذنا ضغطة١، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل - وإن كان على دينك - إلا رددته إلينا، قال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف٢ في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتاب بعد، فقال: والله إذا لم أصالحك على شيء أبداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأجزه٣ لي، فقال: ما أنا بمجيزه لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بل قد أجزناه لك ... " ٤.

وفي حديثهما من طريق ابن إسحاق: بعد أن ذكر الخلاف حول كتابه "بسم الله الرحمن الرحيم" و "محمد رسول الله" قال: فقال سهيل: ولو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولكن اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بغير إذن وليه رده عليهم، ومن أتى قريشاً ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة٥، وأنه لا إسلال ولا إغلال٦، وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن


١ ضغطه: أي عصراً وقهراً، يقال: أخذت فلاناً ضغطة بالضم إذا ضيقت عليه لتكرهه على الشي. النهاية ٣/٩٠.
٢ يرسف: الرسف والرسيف، مشي المقيد إذا جاء يتحامل برجله مع القيد. النهاية ٢/٢٢٢.
٣ أجزه لي: بصيغة الأمر من الإجازة أي أمض لي فعلي فيه، فلا أرده إليك أو استثنيه من القضية. فتح الباري ٥/٣٤٥.
٤ صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الشروط ٢٧٣١ - ٢٧٣٢، وتقدم سنده وتخريجه حديث رقم (٣٥) .
٥ عيبة مكفوفة: العيبة مستودع الثياب، والمكفوفة: المشرجة المشدودة: أي بينهم صدر نقي من الغل والخداع مطوي على الوفاء بالصلح.
وقيل: أراد بينهم موادعة، ومكامة عن الحرب تجريان مجرى المودة التي تكون بين المتصافين الذين يثق بعضهم ببعض. النهاية ٣/٣٢٧.
٦ لا إسلال ولا إغلال: الإسلال: السرقة الخفية، وقيل سل السيوف، والإغلال: الخيانة أو السرقة الخفية. وقيل لبس الدروع. النهاية ٢/٣٩٢، ٣/٣٨٠.

<<  <   >  >>