للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الصامتة]

لما بلغ أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير نعي أخيه مصعب بن الزبير أمير العراق, صعد المنبر فجلس عليه ثم سكت فجعل لونه يحمر مرة ويصفر أخرى, فقال رجل من قريش لآخر بجانبه: ما له لا يتكلم, فوالله إنه للخطيب اللبيب؟! فقال له الرجل: لعله يريد أن يذكر مقتل سيد العرب فيشتد ذلك عليه, وغير ملوم إن جزع.

ووقف ليلة أمس سعد باشا زغلول في حفلة تأبين أخيه فتحي باشا زغلول وأراد أن يقول كلمة قصيرة يشكر فيها القائمين بتلك الحفلة, فاختنق بالبكاء وارتُج عليه وهو الرجل الجلد الشجاع الذي ما جزع في حياته قط, والخطيب المفوه الذي ما ارتُج عليه مرة في أصعب المواقف وأحرجها وأذهبها بالعقول والألباب، فما أشبه هذا البطل الباكي بذلك البطل الجازع.

وكذلك عظماء الرجال يضنون بدموعهم على نكبات الدهر وأرزائه أنفة وإباء, حتى إذا نزلت بهم كارثة من الكوارث التي

<<  <  ج: ص:  >  >>