للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرْزُقَهُ رَزَقَهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ أَبْوَابَ الرِّزْقِ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا تَنْحَصِرُ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الصُّنَّاعِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَأَدَاءَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فِي جَمَاعَةٍ وَمَنْ لَمْ يَسْتَمِعْ مِنْهُمْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ مُشَارِكٌ لَهُمْ فِي الْإِثْمِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ هِجْرَانُهُ وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ تَرْكُ الشِّرَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَ مِنْهُ كَسَدَتْ عَلَيْهِ مَعِيشَتُهُ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يُعْلَمَ بِذَلِكَ أَنَّ تَرْكَ الشِّرَاءِ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ عَدَمِ تَغْيِيرِهِ عَلَى الصُّنَّاعِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ عِنْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ مِثْلُهُ عَلَى مَنْ كَانَ يَطْحَنُ لِلنَّاسِ وَعِنْدَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا يُطْحَنُ عِنْدَهُ شَيْءٌ حَتَّى يُقْلِعَ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَعَلَّ قَائِلًا: يَقُولُ: إنَّ الْهِجْرَانَ لَا يُفِيدُ مِنْ وَاحِدٍ، وَلَا مِنْ اثْنَيْنِ حَتَّى يَتْرُكَهُ سَائِرُ الْمُشْتَرِينَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَجْرُ الْعَظِيمُ وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ؛ لِأَنَّهُمْ قَامُوا بِوَظِيفَةٍ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ فِي إنْكَارِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ «إذَا ظَهَرَ فِيكُمْ الْمُنْكَرُ فَلَمْ تُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّ اللَّهُ الْكُلَّ بِعَذَابٍ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّغْيِيرَ قَدْ حَصَلَ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ وُقُوعُ السُّؤَالِ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ عَنْ مُوجِبِ تَرْكِ شِرَاءِ الدَّقِيقِ وَغَيْرِهِ وَتَرْكِ طَحْنِ الْقُوتِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَإِذَا سَأَلَ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ أَخْبَرَا بِمُوجِبِهِ فَيَشِيعُ الْأَمْرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَيُعْلَمُ فَبَعْضُ النَّاسِ يَقْتَدِي وَيَهْتَدِي وَبَعْضُهُمْ يَعْلَمُ الْحُكْمَ، وَإِنْ كَانَ مُعْرِضًا عَنْ فِعْلِهِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِظُهُورِ الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَذَلِكَ خَيْرٌ عَظِيمٌ.

وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ لَا يُغَيِّرَانِ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ مَعَهَا عَلَى التَّغْيِيرِ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى تَرْكِ الْإِنْكَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا يَقُولُ كَمَقَالَتِهِمَا ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ كَذَلِكَ فَيُؤَدِّي هَذَا إلَى عَدَمِ التَّغْيِيرِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَقَعُ الْعَذَابُ عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلُ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِمَنِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>