للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا الْمُبَشِّرَاتُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ» وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَعْرِضَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَجْرِي عَلَى يَدِي الْمُبَارِكِينَ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ مِثْلُ الْقَلِيلِ يَصِيرُ كَثِيرًا وَمِثْلُ الطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ وَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ وَصَفَاءِ الْبَاطِنِ وَالنَّظَرِ بِالنُّورِ وَسَمَاعِ الْخِطَابِ وَالْهَوَاتِفِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ السُّنِّيَّةِ، فَإِذَا عَرَضَ ذَلِكَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَوَافَقَ كَانَ بِشَارَةً، وَتَأْنِيسًا لِمَنْ وَقَعَ لَهُ أَوْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْكُنْ إلَى شَيْءٍ مِنْهُ، فَإِنْ سَكَنَ خِيفَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْكَرَامَةَ كَرَامَةٌ مَا لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَدَّتْ إلَى ذَلِكَ أَوْ يَزْهُو بِهَا.

وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الشُّكْرُ عَلَى مَا خُلِعَ عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَاتِ الْقَبُولِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَيِّدُوا النِّعَمَ بِالشُّكْرِ» وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْخَوْفُ خِيفَةَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجًا أَوْ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَقَدْ قَالَ سُرِّيُّ السَّقَطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ أَنَّ وَاحِدًا دَخَلَ بُسْتَانًا فِيهِ أَشْجَارٌ كَثِيرَةٌ وَعَلَى كُلِّ شَجَرَةٍ طَيْرٌ يَقُولُ لَهُ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ السَّلَامُ عَلَيْك يَا وَلِيَّ اللَّهِ فَلَمْ يَخَفْ أَنَّهُ مَكْرٌ لَكَانَ مَمْكُورًا بِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ مَرَاقِي الزُّلْفَى لَهُ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ فِي «قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قِيلَ لَهُ إنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ ازْدَادَ يَقِينًا لَمَشَى فِي الْهَوَاءِ» فَقَالَ إنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَشَارَ بِهَذَا الْقَوْلِ إلَى نَفْسِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ؛ لِأَنَّ فِي لَطَائِفِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ أَنَّهُ قَالَ فَلَمَّا بَلَغْت الرَّفْرَفَ رَأَيْت الْبُرَاقَ قَدْ بَقِيَ وَمَشَيْت يَعْنِي أَنَّهُ مَشَى فِي الْهَوَاءِ إلَى الْمَلِكِ الْأَعْلَى. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ قَدْ مَشَى رِجَالٌ بِالْيَقِينِ عَلَى الْمَاءِ وَمَاتَ بِالْعَطَشِ أَفْضَلُ مِنْهُمْ يَقِينًا وَقَوْلُهُ مَشَى فِي الْهَوَاءِ إلَى الْمَلِكِ الْأَعْلَى يُرِيدُ مَعَ التَّنْزِيهِ وَالتَّقْدِيسِ عَنْ الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَكَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ أَكْبَرَ الْكَرَامَاتِ فِي هَذَا الزَّمَانِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَالْعَضُّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَالتَّشْمِيرُ لِامْتِثَالِ مَا وَرَدَتْ بِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَأَوَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>