للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا، وَأَمَّا عِنْدَ التَّصَرُّفِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْفَائِدَةِ فَقَلَّ أَنْ تَجِدَ إذْ ذَاكَ أَحَدًا مِنْهُمْ فِي الْغَالِبِ يَقُومُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ بِلِسَانِهِ فِي دَرْسِهِ، فَالْعَارِفُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ الْيَوْمَ بِمَسَائِلِ الْفِقْهِ الْمَاهِرُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِاللِّسَانِ دُونَ التَّصَرُّفِ أَعْنِي فِي الْغَالِبِ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقْعُدُ يَبْحَثُ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ وَيُحَرِّرُ فِيهَا النَّقْلَ عَنْ الْعُلَمَاءِ بِالْمَنْعِ أَوْ الْكَرَاهَةِ وَيَنْفُضُ تِلْكَ الْأَكْمَامَ إذْ ذَاكَ وَيَضْرِبُ عَلَى الْحَصِيرِ وَيُقِيمُ الْغَبَرَةَ الَّتِي تَحْتَهُ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ فَيُرْسِلُ إلَى السُّوقِ مَنْ يَقْضِي حَاجَتَهُ الْعَبْدَ الصَّغِيرَ وَالصَّبِيَّ الصَّغِيرَ وَالْمَرْأَةَ وَمَنْ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا وَلَا قَرَأَ، وَفِي السُّوقِ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَوَامّ الْجَهَلَةِ بِمَا يَلْزَمُهُمْ فِي سِلَعِهِمْ مِنْ الْأَحْكَامِ وَمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَمِنْ أَيْنَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ الْمَفَاسِدُ وَمِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ الرِّبَا فَيَقَعُ الْبَيْعُ مِنْ جَاهِلٍ وَالشِّرَاءُ مِنْ مِثْلِهِ. هَذَا هُوَ حَالُ بَعْضِهِمْ وَإِلَّا فَالْغَالِبُ مِنْهُمْ يُبَاشِرُونَ شِرَاءَ حَوَائِجِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا يَعْرُجُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَوْنِهِ لَا يُجِيزُ الْبَيْعَ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ بَيْنَهُمْ فِي الْغَالِبِ بَلْ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ مَعْدُومٌ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ قَرِيبٌ؛ لِأَنَّهُ يُجِيزُ إذَا عُدِمَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَا شَارَكَهُمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَى الْبَاطِنِيِّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَتَكْفِي الْمُعَاطَاةُ، وَهُوَ أَنْ تُعْطِيَهُ وَيُعْطِيَكَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ مَذْكُورٍ فِي كُتُبِهِمْ. وَكَذَلِكَ بَيْعُ الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ تَقُولَ لَهُ بِعْنِي كَيْفَ بِعْت فَهَذَانِ وَجْهَانِ سَهْلَانِ قَرِيبَانِ وَمَعَ هَذَا التَّسَاهُلِ وَالتَّرْخِيصِ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ تَرْكُهُ عَلَى مَا يُشَاهَدُ مِنْ بَعْضِهِمْ مُبَاشَرَةً مِنْ شِرَاءِ حَوَائِجِهِمْ عَلَى يَدِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَمَنْ لَا يَعْلَمُ، وَفِي السُّوقِ أَيْضًا مِثْلُهُمْ مِمَّنْ لَا يَعْلَمُ كَمَا تَقَدَّمَ فَقَدْ يَخْرِقُونَ الْإِجْمَاعَ بِسَبَبِ التَّعَاطِي فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ إنْ كَانُوا اكْتَسَبُوهُ أَوَّلًا مِنْ وَجْهِ حِلٍّ فَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الْحَرَامِ الْبَيِّنِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْكَسْبُ أَيْضًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَقُبْحٌ عَلَى قُبْحٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>