للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعْدِيلِهِ ثُمَّ إنِّي فَكَّرْت أَنِّي كُنْت لَبِسْته حِينَ قُمْت مِنْ الْفِرَاشِ بِنِيَّةِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَاسْتَغْفَرْت اللَّهَ تَعَالَى مِمَّا أَرَدْت فِعْلَهُ أَوْ كَمَا قَالَ، وَهَذَا السَّيِّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا جَعَلَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَمْ تَخْلُصْ لَهُ النِّيَّةُ بِحَضْرَةِ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَلَصَتْ وَخَافَ أَنْ يَشُوبَهَا شَيْءٌ مَا لِأَجْلِ حُضُورِهِمْ فَتَرَكَهُ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَرَادَ بِتَرْكِ ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ مِمَّا أَرَادَ فِعْلَهُ تَعْلِيمَ الطَّلَبَةِ كَيْفِيَّةَ التَّصَرُّفِ فِي الْأَفْعَالِ كُلِّهَا فَيَكُونُ لُبْسُ الثَّوْبِ مِنْهُ تَنْبِيهًا عَلَى بَقَائِهَا، وَإِلَّا لَوْ حَوَّلَهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَعَدَّلَهُ بِنِيَّةِ إكْمَالِ الزِّينَةِ وَإِظْهَارِ النِّعَمِ عَلَى تَرْتِيبِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُضَادًّا لِنِيَّتِهِ الْأُولَى لَكِنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ أَخَذَتْ بِالْجِدِّ وَالْحَزْمِ فَمَهْمَا وَقَعَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا مِنْ الشَّوَائِبِ أَوْ تَوَهَّمُوهَا بِطَرْفٍ مَا تَرَكُوا الْفِعْلَ أَلْبَتَّةَ كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مَرَّ بِالْفُرَاتِ وَفِيهِ مَرْكَبٌ مَوْسُوقٌ خَمْرًا، وَكَانَ صَاحِبُ الْخَمْرِ مِنْ الظَّلَمَةِ الْمُسَلَّطِينَ عَلَى الْخَلْقِ فِي وَقْتِهِ لَا يُطَاقُ لِشِدَّةِ سَطْوَتِهِ فَطَلَعَ الْمَرْكَبَ وَكَسَرَ مَا هُنَاكَ فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ يَتَعَرَّضُ لَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْسِيرِ جَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَقَفَ عِنْدَهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَرَكَهَا يَعْنِي لَمْ يَكْسِرْهَا ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُمْ وَمَضَى لِسَبِيلِهِ.

فَلَمَّا أَنْ أَخْبَرُوا الظَّالِمَ بِقِصَّتِهِ أَمَرَ بِإِحْضَارِهِ فَأُحْضِرَ فَقَالَ: لَهُ مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْت فَقَالَ عَمِلْت مَا خَطَرَ لِي فَاعْمَلْ مَا خَطَرَ لَك فَقَالَ لَهُ الظَّالِمُ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ تَرَكْت الْجَرَّةَ الْوَاحِدَةَ لَمْ تَكْسِرْهَا وَكَسَرْت الْجَمِيعَ؟ فَقَالَ: ذَلِكَ لِأَنِّي لَمَّا أَنْ رَأَيْت الْمُنْكَرَ لَمْ أَتَمَالَك إلَّا أَنْ أُغَيِّرَهُ فَفَعَلْت فَكَانَ ذَلِكَ خَالِصًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ لَمَّا أَنْ بَقِيَتْ تِلْكَ الْجَرَّةُ خَطَرَ لِي فِي نَفْسِي أَنِّي مِمَّنْ يُغَيِّرُ الْمُنْكَرَ فَرَأَيْت أَنْ قَدْ حَصَلَ لَهَا فِي ذَلِكَ دَعْوَى فَخِفْت أَنْ يَكُونَ كَسْرُ مَا بَقِيَ فِيهِ حَظٌّ لِنَفْسِي فَتَرَكْتهَا وَانْصَرَفْت لِأَسْلَمَ مِنْ آفَاتِهَا أَوْ كَمَا قَالَ فَرَدَّ الظَّالِمُ رَأْسَهُ إلَى خَدَمِهِ وَحَشَمِهِ، وَقَالَ لَهُمْ لَا يَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَذَا مُعَامَلَةٌ يَفْعَلُ مَا يَخْتَارُ السَّلَامَةَ السَّلَامَةَ أَوْ كَمَا قَالَ: فَانْظُرْ رَحِمَك اللَّهُ شِدَّةَ مُلَاحَظَتِهِمْ لِنِيَّاتِهِمْ وَإِخْلَاصَهَا وَتَحْرِيرَهَا وَتَحْرِيمَ رَفْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>