للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَذْكُرُونَ مُجْتَمَعِينَ بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَالْهُنُوكِ كَمَا عُلِمَ مِنْ عَادَةِ الْقُرَّاءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَكَذَلِكَ الْفُقَرَاءُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الدَّلِيلُ عَلَى مَنْع ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَوْلِدِ فَكَيْفَ بِهِ فِي الْمَوْلِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَطْعَمَ الْإِخْوَانَ لَيْسَ إلَّا بِنِيَّةِ الْمَوْلِدِ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ فَكَيْفَ بِهِ هُنَا فَمِنْ بَابِ أَحْرَى الْمَنْعُ مِنْهُ. وَقَدْ يَحْصُلُ فِي هَذَا مِنْ الْمَفَاسِدِ بَعْضُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ أَكْثَرُ، أَوْ مِثْلُهُ. وَبَعْضُهُمْ يَتَوَرَّعُ عَنْ هَذَا وَيَعْمَلُ الْمَوْلِدَ بِقِرَاءَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْحَدِيثِ فِي نَفْسِهَا مِنْ أَكْبَرِ الْقُرَبِ وَالْعِبَادَاتِ وَفِيهَا الْبَرَكَةُ الْعَظِيمَةُ وَالْخَيْرُ الْكَثِيرُ لَكِنْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ اللَّائِقِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ كَمَا يَنْبَغِي لَا بِنِيَّةِ الْمَوْلِدِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ فَعَلَهَا إنْسَانٌ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُشْرَعِ لَهَا لَكَانَ مَذْمُومًا مُخَالِفًا فَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَمَا بَالَك بِغَيْرِهَا

[فَصْلٌ عَمَلُ الْمَوْلِدَ لِأَجْلِ جَمْعِ الدَّرَاهِمِ]

. (فَصْلٌ) وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ الْمَوْلِدَ لَا لِمُجَرَّدِ التَّعْظِيمِ وَلَكِنْ لَهُ فِضَّةٌ عِنْدَ النَّاسِ مُتَفَرِّقَةٌ كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا فِي بَعْضِ الْأَفْرَاحِ وَالْمَوَاسِمِ وَيُرِيدُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا وَيَسْتَحْيِ أَنْ يَطْلُبَهَا بُدَاءَةً فَيَعْمَلُ الْمَوْلِدَ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِأَخْذِ مَا اجْتَمَعَ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ، وَهَذَا فِيهِ وُجُوهٌ مِنْ الْمَفَاسِدِ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ أَشَدُّهَا أَنَّهُ يَتَّصِفُ بِصِفَةِ النِّفَاقِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُظْهِرُ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ إذْ ظَاهِرُ حَالِهِ أَنَّهُ عَمِلَ الْمَوْلِدَ يَبْتَغِي بِهِ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَبَاطِنُهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ بِهِ فِضَّتَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ الْمَوْلِدَ لِأَجْلِ جَمْعِ الدَّرَاهِمِ وَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْهُمَا عَلَى قِسْمَيْنِ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ لَهُ دُنْيَا وَيَتَظَاهَرُ بِأَنَّهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ الْمَسَاكِينِ فَيَعْمَلُ الْمَوْلِدَ لِتَزِيدَ دُنْيَاهُ بِمُسَاعَدَةِ النَّاسِ لَهُ فَيَزْدَادَ هَذَا فَسَادًا عَلَى الْمَفَاسِدِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْمَفَاسِدِ، وَهُوَ أَشْبَهُ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَطْلُبُ بِذَلِكَ ثَنَاءَ النَّاسِ عَلَيْهِ وَالنَّفْسُ تُحِبُّ الْمَحَامِدَ كَثِيرًا، وَهَذَا فِيهِ مَا فِيهِ. الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ إلَّا أَنَّهُ مِمَّنْ يَخَافُ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَشَرِّهِ فَيَعْمَلُ الْمَوْلِدَ حَتَّى يُسَاعِدَهُ النَّاسُ تَقِيَّةً عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>