للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعَلِمْت أَنَّك يَا رَبِيعَ الْأَوَّلِ ... تَاجٌ عَلَى هَامِ الزَّمَانِ مُكَلَّلُ

مُسْتَعْذَبُ الْإِلْمَامِ مُرْتَقَبُ اللِّقَا ... كُلُّ الْفَضَائِلِ حِينَ تُقْبِلُ تُقْبِلُ

مَا عُدْت إلَّا كُنْت عِيدًا ثَالِثًا ... بَلْ أَنْتَ أَحْلَى فِي الْعُيُونِ وَأَجْمَلُ

شَرَفًا بِمَوْلِدِ مُصْطَفًى لَمَّا ... بَدَا أَخْفَى الْأَهِلَّةَ وَجْهُهُ الْمُتَهَلِّلُ

وَحَوَيْت مَنْ أَصْبَحْت ظَرْفَ زَمَانِهِ ... ظَرْفًا بِهِ فِي بُرْدِ حُسْنِك تَرْفُلُ

وَمَلَكْت أَنْفُسَهَا بِلُطْفِ شَمَائِلَ ... بِنَسِيمِهَا نَفْسُ الْعَلِيلِ تُعَلَّلُ

وَإِذَا حَدَا الْحَادِي بِمَنْزِلَةِ الْحِمَى ... فَالْقَصْدُ سُكَّانُ الْحِمَى لَا الْمَنْزِلُ

فَضْلُ الشُّهُورِ عَلَا فَفَاخَرَهَا فَإِنْ ... فَخَرْت بِأَطْوَلِهَا فَأَنْتَ الْأَطْوَلُ

وَاسْتَثْنِ مِنْهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ الَّتِي ... أَثْنَاءَهَا نَزَلَ الْكِتَابُ الْمُنْزَلُ

وَاصْغَ لِقَوْلِ اللَّهِ فِيهَا إنَّهَا ... مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ فِي الْإِبَانَةِ أَفْضَلُ

وَاسْتَكْمِلْ الْبُشْرَى فَإِنَّك لَمْ تَزَلْ ... لَك فِي الْقُلُوبِ مَكَانَةٌ لَا تُجْهَلُ

لِمَ لَا وَعَشْرُك وَاثْنَتَاك أَرَيْنَنَا ... قَمَرًا بِهِ شَمْسُ الضُّحَى لَا تُعْدَلُ

وَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنَّ بَدْرًا يَسْتَوِي ... لِتَمَامِ عَشْرٍ وَاثْنَتَيْنِ وَيَكْمُلُ

وَيَفُوقُ أَقْمَارَ السَّمَاءِ لِأَنَّهَا ... لِلنَّقْصِ مِنْ بَعْدِ الزِّيَادَةِ تُنْقَلُ

وَكَمَالُ هَذَا الْبَدْرِ لَا يُعْزَى إلَى ... نَقْصٍ وَلَا عَنْ حَالِهِ يَتَحَوَّلُ

بَلْ نُورُهُ يَزْدَادُ ضَعْفًا كُلَّمَا ... طَفِقَ الْمَحَاقُ سَنَا الْبُدُورِ يُبَدَّلُ

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَذَا الشَّهْرُ لَمْ نَجِدْ فِيهِ زِيَادَةً فِي الْأَعْمَالِ كَمَا نَجِدُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ وَاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ.

فَالْجَوَابُ أَنَّ تِلْكَ الْأَزْمِنَةَ حَصَلَتْ لَهَا الْفَضِيلَةُ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَالِ الْفَاضِلَةِ فِيهَا، وَهَذَا الشَّهْرُ حَصَلَ لَهُ التَّشْرِيفُ بِظُهُورِ مَنْ جَاءَتْ الْأَعْمَالُ وَالْخَيْرَاتُ الَّتِي حَصَلَتْ بِهَا الْفَضِيلَةُ لَتِلْكَ الْأَوْقَاتِ عَلَى يَدَيْهِ وَبِسَبَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا وَجْهٌ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ لَا يَرْتَابُ فِيهِ. وَوَجْهٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ حَيْثُ يَقُولُ فِي صِفَتِهِ {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨] فَكَانَ دَأْبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَ التَّخْفِيفِ عَنْ أُمَّتِهِ مَهْمَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَوَجَدَ السَّبِيلَ إلَيْهِ فَعَلَهُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ هَذَا الشَّهْرُ اُخْتُصَّ بِظُهُورِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ لَمْ يُكَلِّفْ أُمَّتَهُ زِيَادَةَ عَمَلٍ فِيهِ بَلْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ.

وَوَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْآفَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>