للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاضِي، فَمِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْجَبُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ

[فَصْلٌ تُرُكَ الْعَالم الدَّرْسَ لِعَوَارِضَ تَعْرِضُ لَهُ مِنْ جِنَازَةٍ أَوْ غَيْرهَا]

(فَصْلٌ) وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَتْرُكَ الدَّرْسَ لِعَوَارِضَ تَعْرِضُ لَهُ مِنْ جِنَازَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ يَأْخُذُ عَلَى الدَّرْسِ مَعْلُومًا، فَإِنَّ الدَّرْسَ إذْ ذَاكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَحُضُورُ الْجِنَازَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَفِعْلُ الْوَاجِبِ يَتَعَيَّنُ، فَإِنَّ الذِّمَّةَ مَعْمُورَةٌ بِهِ وَلَا شَيْءَ آكَدُ وَلَا أَوْجَبُ مِنْ تَخْلِيصِ الذِّمَّةِ، إذْ تَخْلِيصُهَا هُوَ الْمَقْصُودُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ فِي الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، فَلَوْ حَضَرَ الْجِنَازَةَ وَأَبْطَلَ الدَّرْسَ لِأَجْلِهَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْقِطَ مِنْ الْمَعْلُومِ مَا يَخُصُّ ذَلِكَ، بَلْ لَوْ كَانَ الدَّرْسُ لَيْسَ لَهُ مَعْلُومٌ لَتَعَيَّنَ عَلَى الْعَالِمِ الْجُلُوسُ إلَيْهِ، إذْ أَنَّهُ تَمَحَّضَ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَلَسَمَاعُ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعَالِمِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً مَبْرُورَةً كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ فَضْلِ الْجِنَازَةِ؟ ، وَقَدْ مَاتَ أَحَدُ أَوْلَادِ الْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ فَخَرَجَ لِجِنَازَتِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَبَقِيَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَخْرُجُ إلَى جِنَازَةِ هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ ابْنِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ ابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ مُجِيبًا لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ: صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ حُضُورِ جِنَازَةِ هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ ابْنِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ ابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا فَضَّلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً عَلَى حُضُورِهَا فَمَا بَالُكَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَمَا بَالُكَ بِإِلْقَاءِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ خَيْرُ مُتَعَدٍّ سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا.

وَكَذَلِكَ لَا يَتْرُكُ الدَّرْسَ لِأَجْلِ مَرِيضٍ يَعُودُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ التَّعْزِيَةِ وَالتَّهْنِئَةِ الْمَشْرُوعَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مَنْدُوبٌ، وَإِلْقَاءُ الْعِلْمِ مُتَعَيِّنٌ إنْ كَانَ يَأْخُذُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا وَقَدْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْلُومًا بَلْ لَوْ عَرِيَ عَنْهُمَا مَعًا لَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَعُلِمَ مِنْ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَا نُدِبَ إلَيْهِ لِأَجْلِهِ، فَمَا بَالُكَ بِبَطَالَةِ الدَّرْسِ لِأَجْلِ بِدْعَةٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ كَثُرَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَيُبْطِلُونَ الدَّرْسَ لِأَجْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>