للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ مُصَادِمٌ لِلنَّهْيِ.

فَإِنْ قَالَ الْقَائِلُ: إنَّمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّرْفِيعِ لِلْعِلْمِ وَالتَّوْقِيرِ لَهُ. فَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وَلَا يُتَّبَعُ غَيْرُهُمْ وَلَا يُرْجَعُ إلَّا إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حُظُوظَ النُّفُوسِ وَمُخَالَفَةَ السُّنَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] فَلَا شَيْءَ أَعْلَى وَلَا أَرْفَعَ مِنْ اتِّبَاعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاتِّبَاعِ أَصْحَابِهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ هَذَا لَزَمَانٌ لَا يُشْبِهُ ذَلِكَ الزَّمَانَ لِتَعْظِيمِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لِأَجْلِ عِلْمِهِمْ الْغَزِيرِ وَدِيَانَتِهِمْ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ وَالسُّنَّةَ الشَّرِيفَةَ وَرَدَا جَمِيعًا لِأَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ، وَلَمْ يَخُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ قَرْنًا دُونَ قَرْنٍ وَلَا قَوْمًا دُونَ آخَرِينَ، بَلْ أَتَى بِذَلِكَ عُمُومًا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩] ، وَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ» انْتَهَى. أَيْ اعْمَلْ بِهِ فَالْمَنْزِلَةُ الَّتِي يُرَاعَى حَقُّهَا فِي الشَّرْعِ إنَّمَا بِالْعِلْمِ وَالِاتِّصَافِ بِالْعَمَلِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَقْدِيمُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا هُوَ لِتَعْظِيمِ الدُّنْيَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ خِلْعَةٌ أَوْ هَيْئَةٌ قَدَّمُوهُ فِي الْمَجَالِسِ، وَمَنْ كَانَ رَثَّ الْحَالِ أَخَّرُوهُ عَكْسُ حَالِ السَّلَفِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مِنْ عَوَائِدِ أَكْثَرِهِمْ، فَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذِكْرِ تَفَاصِيلِ أَحْوَالِهِمْ وَمَقَاصِدِهِمْ فِي ذَلِكَ.

الْغَالِبُ مِنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُرَاعُونَ الْإِنْصَافَ فِي ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ جَائِزًا فِي الشَّرْعِ. فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا: أَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ حَظٍّ مَذْمُومٍ شَرْعًا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ يُوَضِّحَ الْأَمْرَ وَيُنْكِرَهُ وَيَزْجُرَ فَاعِلَهُ وَيُقَبِّحَ لَهُ فِعْلَهُ وَيُشَنِّعَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ حَسْبَ اسْتِطَاعَتِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ مِمَّنْ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ لِلْفَتْوَى، وَهُوَ مَقْصُودٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>