للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْمًا مِنْ السَّلَفِ أَجَازُوا ذَلِكَ، فَلَا يَصْلُحُ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ إضَافَتِهِ إلَيْهِمْ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى سُوءِ ضَبْطِ النَّقَلَةِ، وَالِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الدُّبُرَ اسْمٌ لِلظَّهْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: ٤٥] ، وَقَالَ {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: ١٦] أَيْ ظَهْرَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُؤْتَى مِنْ قُبُلٍ، وَمِنْ دُبُرٍ انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهَا تُؤْتَى مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا فِي قُبُلِهَا، وَسَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا مَا اعْتَادَهُ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَذَّذُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ مُقْبِلَاتٍ، وَمُدْبِرَاتٍ، وَمُسْتَلْقِيَاتٍ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ فَاصْنَعْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي حَتَّى سَرَى أَمْرُهُمَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] أَيْ مُقْبِلَاتٍ، وَمُدْبِرَاتٍ، وَمُسْتَلْقِيَاتٍ يَعْنِي بِذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الْوَلَدِ.

وَرُوِيَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] انْتَهَى. مِنْ السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُد، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا.

هَذَا مَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ، وَأَمَّا طَرِيقُ النَّظَرِ فَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: إذَا مُنِعَ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ فِي حَالِ الْحَيْضِ مِنْ أَجْلِ الْأَذَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] ، وَهِيَ أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ غَالِبًا، فَمَا بَالُك بِمَوْضِعٍ لَا تُفَارِقُهُ النَّجَاسَةُ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ، وَقَدْ قَالُوا أَيْضًا: إنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا مَحَلٌّ لِلِاسْتِمْتَاعِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ مُطْلَقًا، وَفِيمَا تَحْتَ الْإِزَارِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ شَهْوَةَ الرَّجُلِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِشَهْوَةِ الْمَرْأَةِ، وَوَطْؤُهَا فِي الدُّبُرِ لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فِيهِ بَلْ تَتَضَرَّرُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَحْرِيكُ بَاعِثِ شَهْوَتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنَالَ غَرَضَهَا، وَالثَّانِي أَنَّ الْوَطْءَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ يَضُرُّهَا

[فَصْلٌ الرَّجُلَ إذَا رَأَى امْرَأَةً أَعْجَبَتْهُ وَأَتَى أَهْلَهُ]

. (فَصْلٌ) وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَفَّظَ فِي نَفْسِهِ بِالْفِعْلِ، وَفِي غَيْرِهِ بِالْقَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>