للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْعِبَادَةِ التَّارِكِ لِلْأَسْبَابِ، فَهَؤُلَاءِ سَبْعَةٌ عَلَيْهِمْ يَدُورُ أَمْرُ الدِّينِ فَأَهَمُّهُمْ وَأَعْظَمُهُمْ هُوَ الْعَالِمُ إذْ أَنَّ السِّتَّةَ الْبَاقِينَ كُلَّهُمْ رَاجِعُونَ إلَيْهِ دَاخِلُونَ تَحْتَ أَحْكَامِهِ وَإِشَارَتِهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعِلْمُ إمَامٌ وَالْعَمَلُ تَابِعُهُ» .

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ» وَكَانَ فِي عَصْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ هُوَ أَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَبِقَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ لَهُ: ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ لَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيٍّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقْرِئُهُمْ الْعَشْرَ فَلَا يُجَاوِزُونَهَا إلَى عَشْرٍ أُخْرَى حَتَّى يَتَعَلَّمُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْعَمَلِ فَيَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ جَمِيعًا» وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَسَارٍ السُّلَمِيِّ قَالَ: كُنَّا إذَا تَعَلَّمْنَا عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ نَتَعَلَّمْ الْعَشَرَةَ الَّتِي بَعْدَهَا حَتَّى نَعْرِفَ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا وَأَمْرَهَا وَنَهْيَهَا انْتَهَى.

فَتَبَيَّنَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ يَكُونُ أَعْلَمَ الْقَوْمِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ» .

وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَهُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ حَاجَةً إلَى الْعِلْمِ وَالْإِمَامَةُ أَعْلَى الْمَنَاصِبِ وَأَجَلُّهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَالِمًا أَعْنِي عَلَى طَرِيقِ الْكَمَالِ، وَإِلَّا فَبِالسُّؤَالِ مِنْ الْعَالِمِ يَسْتَقِيمُ حَالُهُ وَيَصِيرُ عَالِمًا بِأَحْكَامِ خُطَّتِهِ وَمَرْتَبَتِهِ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِينَ كُلٌّ مُحْتَاجٌ إلَى الْعِلْمِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي أُهِّلَ إلَيْهِ إمَّا بِالتَّعْلِيمِ أَوْ بِالسُّؤَالِ مِنْ الْعَالِمِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَهْلِ الْبَلَاءِ إلَى الْجَنَّةِ، وَالْعُلَمَاءُ وُقُوفٌ فِي الْمَحْشَرِ فَيَقُولُونَ يَا رَبَّنَا بِفَضْلِ عِلْمِنَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ أَيْ: أَنَّهُمْ عَلَّمُوهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي بَلَائِهِمْ وَمَا لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأُجُورِ وَكَيْفِيَّةَ الصَّبْرِ وَمَا لِلصَّابِرِينَ فَامْتَثَلُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ فَكَانُوا سَبَبًا لِمَا جَرَى ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمُجَاهِدِينَ وَالْمُصَابِينَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطَّوَائِفِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.

وَالْعُلَمَاءُ وُقُوفٌ يَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا بِفَضْلِ عِلْمِنَا دَخَلُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>