للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوَائِلِ الْأَوْقَاتِ أَوْ قَبْلِهَا. حَتَّى إنَّهُ قَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَاءَ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَوَجَدَ رَجُلَيْنِ قَدْ سَبَقَاهُ فَجَعَلَ يُعَاتِبُ نَفْسَهُ وَيَقُولُ أَثَالِثُ ثَلَاثَةٍ أَثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، فَلَوْ جَاءَ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْفُضَلَاءِ إلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدُوا غَيْرَهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ فِي مَنْزِلِهِمْ قَدْ سَبَقَهُمْ لِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَعْهَدُونَ الصَّلَاةَ فِيهَا أَعْنِي مَنْ كَانَ يَسْتُرُ الْإِمَامَ أَوْ يَقْرَبُ مِنْهُ كَانَ مَنْ سَبَقَ لِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ أَحَقَّ بِهَا مِنْهُ وَأَوْلَى، وَلَا يُقَامُ مِنْهَا اتِّفَاقًا وَإِقَامَتُهُ ظُلْمٌ لَهُ وَبِدْعَةٌ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُؤْثِرَ السَّابِقُ بِهَذِهِ الْقُرْبَةِ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ فَذَلِكَ لَهُ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» وَلِلْعَمَلِ الْمَاضِي الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ.

وَالثَّانِي مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَغْفُورٍ لَهُ غُفِرَ لَهُ، فَإِذَا قَدَّمَهُ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَانَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حِكَايَةُ بَعْضِ السَّلَفِ الَّذِي كَانَ يَأْتِي إلَى الْمَسْجِدِ أَوَّلَ الْوَقْتِ لَيُدْرِكَ فَضِيلَةَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَإِذَا امْتَلَأَ بِالنَّاسِ تَأَخَّرَ إلَى الثَّانِي وَآثَرَ بِمَكَانِهِ غَيْرَهُ وَهَكَذَا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي آخِرِ صَفٍّ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسُئِلَ عَنْ مُوجِبِ ذَلِكَ فَقَالَ أُبَكِّرُ لِأَحُوزَ فَضِيلَةَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَتَأَخَّرُ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ قَدْ صَلَّيْت خَلْفَ مَغْفُورٍ لَهُ فَيُغْفَرُ لِي، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِيثَارِ بِالْقُرَبِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ تَرَكَ قُرْبَةً لَا بَدَلَ عَنْهَا.

أَمَّا مَنْ تَرَكَهَا لِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا وَأَوْلَى فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ تَرْكِ قُرْبَةٍ لِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَدْ عَدَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَرْكَ التَّبْكِيرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ الْبِدَعِ الْحَادِثَةِ وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ التَّبْكِيرَ مِنْ غَدْوَةِ النَّهَارِ إلَيْهَا أَفْضَلُ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَعْنَاهُ التَّهْجِيرُ وَدَلِيلُهُ عَمَلُ السَّلَفِ الْمَاضِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ التَّبْكِيرَ إلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّهْجِيرِ بِأَنْ قَالَ أَوَّلُ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ تَرْكُ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ، وَقَدْ كَانُوا يَأْتُونَهَا بِالْمَشَاعِلِ لَيْلًا، وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>