للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالسُّنَّةُ الْمَاضِيَةُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَنْ تَكُونَ فِي الْمُصَلَّى لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» ثُمَّ مَعَ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ الْعَظِيمَةِ خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمُصَلَّى وَتَرَكَهُ فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى تَأَكُّدِ أَمْرِ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فَهِيَ السُّنَّةُ وَصَلَاتُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِدْعَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهَا وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ النِّسَاءَ أَنْ يَخْرُجْنَ إلَى صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَأَمَرَ الْحُيَّضَ وَرَبَّاتِ الْخُدُورِ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِمَا فَقَالَتْ إحْدَاهُنَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تُعِيرُهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا لِتَشْهَدَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ» ، فَلَمَّا أَنْ شَرَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُنَّ الْخُرُوجَ شَرَعَ الصَّلَاةَ فِي الْبَرَاحِ لِإِظْهَارِ شَعِيرَةِ الْإِسْلَامِ، وَلِيَحْصُلَ لَهُمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا قَدْ أَمَرَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَاعِدُوا بَيْنَ أَنْفَاسِ النِّسَاءِ وَأَنْفَاسِ الرِّجَالِ» فَلَمَّا أَمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَكَانَ النِّسَاءُ بَعِيدًا مِنْ الرِّجَالِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَنْ فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَصَلَاتِهِ جَاءَ إلَى النِّسَاءِ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، فَلَوْ كُنَّ قَرِيبًا لَسَمِعْنَ الْخُطْبَةَ وَلَمَا احْتَجْنَ إلَى تَذْكِيرِهِ لَهُنَّ بَعْدَ الْخُطْبَةِ هَذَا وَجْهٌ. وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَسْجِدَ وَلَوْ كَبُرَ فَهُمْ مَحْصُورُونَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ أَبْوَابِهِ الْمَعْلُومَةِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ عِنْدَ الدُّخُولِ فِيهَا وَالْخُرُوجِ مِنْهَا فَتُتَوَقَّعُ الْفِتَنُ فِي مَوْضِعِ الْعِبَادَاتِ، وَالْبَرَاحُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِاتِّسَاعِ الْبَرِّيَّةِ فَلَا يَصِلُ فِيهَا أَحَدٌ لِأَحَدٍ فِي الْغَالِبِ، وَهَذَا بِعَكْسِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَهُوَ أَنَّ الْمَسْجِدَ عِنْدَهُمْ كَبِيرٌ وَلَهُ أَبْوَابٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>