للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَبْقَى لِمَنْ هَذَا حَالُهُ، وَفِكْرَتُهُ.

حُكِيَ أَنَّ إنْسَانًا جَاءَ لِبَعْضِ إخْوَانِهِ يَزُورُهُ فَوَجَدَهُ وَحْدَهُ، وَهُوَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا، وَشِمَالًا، وَخَلْفًا، وَأَمَامًا قَالَ لَهُ الزَّائِرُ: لِمَنْ تَلْتَفِتُ فَقَالَ: أَنْظُرْ لِمَلَكِ الْمَوْتِ مِنْ أَيِّ نَاحِيَةٍ يَأْتِينِي.

وَقَدْ جَاءَ بَعْضُهُمْ إلَى شَيْخٍ لَهُ لِيَزُورَهُ، وَكَانَ قَدْ لَقِيَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَعَزَمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إنِّي صَائِمٌ فَأَعْطَاهُ سَبْعَ تَمَرَاتٍ أَوْ لَوْزَاتٍ عَلَى أَنْ يُفْطِرَ عَلَيْهَا فَرَبَطَ ذَلِكَ فِي طَرَفِ كِسَائِهِ فَلَمَّا دَقَّ الْبَابَ خَرَجَ لَهُ شَيْخُهُ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ الشَّيْخُ: مَا هَذَا الَّذِي فِي طَرَفِ كِسَائِك فَأَخْبَرَهُ بِمَا جَرَى فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ، وَأَنْتَ تَظُنُّ أَنَّك تَعِيشُ إلَى الْغُرُوبِ، وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُك بَعْدَهَا أَبَدًا، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ سَيِّدِي أَبُو مَدْيَنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَنَفَعَ بِهِ -: عُمْرُك نَفَسٌ وَاحِدٌ فَاحْرِصْ أَنْ يَكُونَ لَك لَا عَلَيْك انْتَهَى.

وَهَا هُوَ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ فَمَنْ كَانَ حَالُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ فَلَا رَاحَةَ لَهُ دُونَ لِقَاءِ رَبِّهِ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ عَلَى مَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ حَيْثُ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُونَ لِقَاءِ رَبِّهِ» ، وَمَعْنَى ذَلِكَ، - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ الْمُؤْمِنَ طَالَمَا هُوَ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ لَا يَزَالُ فِي مُكَابَدَاتٍ، وَأَهْوَالٍ، وَأَخْطَارٍ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا فَيَلْقَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَرَى مَالَهُ عِنْدَهُ مِنْ الْكَرَامَاتِ فَحِينَئِذٍ تَحْصُلُ لَهُ الرَّاحَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الدَّائِمَةُ الَّتِي لَا انْفِصَامَ لَهَا.

، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْقُدْوَةُ الْمُحَقِّقُ يُمْنُ بْنُ مَرْزُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَفَعَ بِهِ - فِي حَالِ الْفَقِيرِ، وَزُهْدِهِ مَا هَذَا لَفْظُهُ: اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ فِي الزُّهْدِ عَلَى طَبَقَاتٍ فَمِنْهُمْ آخِذٌ، وَهُوَ تَارِكٌ، وَمِنْهُمْ تَارِكٌ، وَهُوَ آخِذٌ، وَإِنَّمَا يَحْمَدُ، وَيَصِحُّ هَذَا الْأَمْرُ لِمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا، وَزَهِدَ فِيهَا بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ مُصَلِّيًا نَائِمًا، وَآخَرُ نَائِمًا مُصَلِّيًا، وَمُفْطِرًا صَائِمًا، وَصَائِمًا مُفْطِرًا، وَكَاسِيًا عَارِيًّا، وَعَارِيًّا كَاسِيًا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى تَصَرُّفِ إرَادَةِ الْقَلْبِ، وَتَصْحِيحِ النِّيَّةِ، وَفَسَادِ إرَادَةِ الْقَلْبِ، وَفَسَادِ النِّيَّةِ، وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْكَسْبِ الْخَبِيثِ، وَالْقَوْلِ الْخَبِيثِ، وَفِي هَذَا كَلَامٌ كَثِيرٌ إلَّا أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>