للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْقَنَتْ بِهِ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ، وَرَهْبَةِ عِقَابِ مَا قَدْ أَيْقَنَتْ بِهِ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَتَرَكَتْ الْمَعْصِيَةَ، وَالشَّهْوَةَ هَرَبًا مِنْ عُقُوبَتِهِمَا، وَاحْتَمَلَتْ الطَّاعَةَ بِالْإِخْلَاصِ رَجَاءَ ثَوَابِهَا فَكُلِّفَ الْأَحْمَقُ الْكَيْسَ، وَلَمْ يُعْذَرْ عَلَى لُزُومِ الْحُمْقِ، وَكُلِّفَ الْجَاهِلُ التَّعْلِيمَ، وَلَمْ يُعْذَرْ عَلَى غَلَبَةِ الْهَوَى، وَكُلِّفَ الْعَامِلُ الصِّدْقَ، وَالْإِخْلَاصَ، وَالتَّيَقُّظَ فِي عَمَلِهِ، وَلَمْ يُعْذَرْ عَلَى الشَّهَوَاتِ، وَالْغَفْلَةِ، وَتَرْكِ الْإِخْلَاصِ فِيهِ.

وَكُلِّفَ الْعَاقِلُ الصِّدْقَ فِي قَوْلِهِ، وَلَمْ يُعْذَرْ بِالْمَيْلِ إلَى الْكَذِبِ، وَكُلِّفَ الصَّادِقُ الْمُخْلِصُ الصَّبْرَ عَنْ ابْتِغَاءِ تَعْجِيلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا، وَالتَّكْرِمَةِ، وَالتَّعْظِيمِ، وَعِنْدَهَا انْقَطَعَ الْعُمَّالُ خَاصَّةً، وَحَلَّ بِهِمْ الْجَزَعُ، وَتَرَكُوا عَزِيمَةَ الصَّبْرِ فِي طَلَبِهِمْ تَعْجِيلَ ثَوَابِ عَمَلِهِمْ، وَلَمْ يُؤَخِّرُوا ثَوَابَ الْأَعْمَالِ لِيَوْمٍ يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَخَدَعَتْهُمْ الْأَنْفُسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ عِنْدَ سَتْرِ سَرَائِرِ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى أَبْدَوْهَا لِلْمَخْلُوقِينَ بِالْمَعَانِي، وَالْمَعَارِيضِ، وَأَظْهَرُوا الْأَعْمَالَ لِيُعْرَفُوا بِفَضِيلَةِ الْعَمَلِ لِيَزْدَادُوا عِنْدَ النَّاسِ فَضِيلَةً، وَرِفْعَةً فَتَعَجَّلَتْ أَنْفُسُهُمْ ذَخَائِرَ أَعْمَالِهِمْ، وَحَلَاوَةَ سَرَائِرِهِمْ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ، وَالتَّكْرِمَةِ، وَالتَّعْظِيمِ، وَوَطْءِ الْأَعْقَابِ، وَالرِّيَاسَةِ، وَالتَّوْسِعَةِ لَهُمْ فِي الْمَجَالِسِ، وَأَغْفَلُوا سُؤَالَ اللَّه لَهُمْ فِي عَقَدِهِمْ لِمَنْ عَمِلُوا، وَمَاذَا طَلَبُوا فَخَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَأَعْمَالَهُمْ، وَخَسَارَةُ مَا هُنَالِكَ بَاقِيَةٌ، وَنَدَامَةُ مَا هُنَالِكَ طَوِيلَةٌ لَمَّا وَرَدُوا عَلَى اللَّهِ فَوَجَدُوا عَظِيمَ مَا كَانُوا يُؤَمِّلُونَ مِنْ ثَوَابِ سَرَائِرِ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي عَاجَلُوا فِيهَا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَمُنِعُوهَا هُنَالِكَ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا تَعَجَّلُوا ثَوَابَهَا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ، وَخَرَجُوا مِنْ خَيْرِ أَعْمَالِهِمْ صِفْرَ الْيَدَيْنِ - فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ -.

مَا أَقْبَحَ الْفَضِيحَةَ بِالْعَالِمِ الْعَامِلِ الْبَصِيرِ النَّاقِدِ الْعَارِفِ غِبَّ قِلَّةِ الصَّبْرِ، وَابْتِغَاءَ تَعْجِيلِ الثَّوَابِ، وَالْمَيْلِ إلَى الدُّنْيَا، وَإِيثَارِ شَهَوَاتِهَا، وَلَذَّاتِهَا فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ الْحَازِمِ اللَّبِيبِ الْعَالِمِ الْعَامِلِ الْعَارِفِ الْبَصِيرِ النَّاقِدِ أَنْ يَحْذَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَيَتَّخِذَ الصَّبْرَ مَطِيَّةً، وَلَا يَبْغِيَ تَعْجِيلَ الثَّوَابِ هَاهُنَا، - وَمَا التَّوْفِيقُ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ -

<<  <  ج: ص:  >  >>