للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: لَسْت آمَنُ عَلَى نَفْسِي الْفِتْنَةَ، وَأَنْ يُحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ فَهَؤُلَاءِ يَخَافُونَ هَذَا، وَهُمْ الصَّفْوَةُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَافُوا مَعَ سَابِقَتِهِمْ، وَطَاعَتِهِمْ، وَجِهَادِهِمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْهِمْ أَقَلُّ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ فَيَحُولُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ فَكَيْفَ بِك يَا مِسْكِينُ، وَلَا سَابِقَةَ لَك إلَّا فِي الشَّرِّ، وَلَا حَلَاوَةَ عَرَفْتهَا قَدِيمًا مِنْ الْإِسْلَامِ إلَّا حَلَاوَةَ الْمَعَاصِي؟ وَأَنْتَ بَارِكٌ فِي دَوْلَةِ الْفِتْنَةِ، وَزَمَانِ الشَّرِّ تُحِبُّ الْبَقَاءَ طَمَعًا فِي الزِّيَادَةِ، وَأَنْتَ مَعَ ذَلِكَ لَا تَنْقِمُ عَلَيْهَا حُبَّهَا فَخَدَعَتْك، وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ أَنَّك مَخْدُوعٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُطِيعَ إذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّاعَةِ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَلَا عَارِفٍ بِمُكَايَدَةِ عَدُوِّهِ هَانَتْ عَلَى إبْلِيسَ صَرْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَوْعٌ مِنْ الْعِبَادَةِ إلَّا وَلَهَا ضِدٌّ مِنْ الْفِتْنَةِ فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْخَيْرَ، وَضِدَّهُ مِنْ الشَّرِّ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْعِبَادَةِ خَاصَّةً، ثُمَّ اجْتَهَدَ خَلَّاهُ إبْلِيسُ وَإِيَّاهَا؛ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ قِلَّةِ عِلْمِهِ بِعِبَادَتِهِ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي نَفْسِ عِبَادَتِهِ بِشَيْءٍ، وَيَقْصِدُ لَهُ جِهَةَ آفَاتِهَا الَّتِي تُبْطِلُ عِبَادَتَهُ مِنْ شَهْوَةِ النُّفُوسِ الَّتِي تُسَارِعُ فِي قَبُولِ ذَلِكَ فَيَتَزَيَّنُ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنْ عِنْدِهَا، وَأَنَّهُ سَيُجْزَى، وَيُثَابُ فَيُصَدِّقُهَا بِمَا تُلْقِي إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَتَزْهُو النَّفْسُ لِرِضَى صَاحِبِهَا عَنْهَا، وَيُحَقِّقُ إبْلِيسُ ظَنَّهُ بِهِ، وَبِالْخُدَعِ لَهُ فَإِذَنْ قَدْ صُرِعَ وَخُذِلَ، وَلَجَأَ إلَى نَفْسِهِ بِمَيْلِهِ عَنْ طَرِيقِ الشُّكْرِ، وَيَظْهَرُ لَهُ مِنْ فِتْنَةِ عَدُوِّهِ مَا يَسْتَصْغِرُ بِهِ الْمَخْلُوقِينَ، وَتَكُونُ نَفْسُهُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا عَدْلَ لَهَا زَكَاءً وَطِيبًا، وَهِيَ أَخْبَثُ الْأَنْفُسِ وَأَنْتَنُهَا وَأَسْقَطُهَا مِنْ عَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكُلَّمَا سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ مِنْ عَمَلٍ احْتَمَلَ فِيهِ الْأَذَى مَعَ مُسَاعَدَتِهِ إيَّاهَا، وَشِدَّةِ رِضَاهُ عَنْهَا مِنْ تَحَمُّلِ لُبْسِ الْخَشِنِ، وَأَكْلِ الطَّعَامِ الْجَشِيمِ، وَطُولِ السَّهَرِ، وَالصَّبْرِ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَادَةِ بِمَا يُفْتَتَنُ بِهِ، وَيَسْتَمِيلُ بِهِ إبْلِيسُ قُلُوبَ الْجُهَّالِ، وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إنِّي لَأَعُدُّ كَلَامِي فِيمَا لَا بُدَّ لِي مِنْهُ مُصِيبَةً وَاقِعَةً أَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهَا، وَإِنِّي لَأُعِدُّ صَمْتِي عَمَّا لَا يَعْنِينِي

<<  <  ج: ص:  >  >>