للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ قَالَ: رَأَيْت فِي الْمَنَامِ أَنَّ الْحَقَّ أَوْقَفَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَحْمَدُ حَمَلْتَ وَصْفِي عَلَى لَيْلَى وَسُعْدَى لَوْلَا أَنِّي نَظَرْتُ إلَيْك فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ أَرَدْتنِي خَالِصًا لَعَذَّبْتُك قَالَ فَأَقَامَنِي مِنْ وَرَاءِ حِجَابِ الْخَوْفِ فَأَرْعَدْت، وَفَزِعْت مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَقَامَنِي مِنْ وَرَاءِ حِجَابِ الرِّضَا فَقُلْت يَا سَيِّدِي لَمْ أَجِدْ مَنْ يَحْمِلُنِي غَيْرَك فَطَرَحْت نَفْسِي عَلَيْك فَقَالَ: صَدَقْت مِنْ أَيْنَ تَجِدُ مَنْ يَحْمِلُك غَيْرِي؟ وَأَمَرَ بِي إلَى الْجَنَّةِ، وَقَالَ الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَأَيْت إبْلِيسَ فِي النَّوْمِ فَقُلْت لَهُ: هَلْ تَظْفَرُ مِنْ أَصْحَابِنَا بِشَيْءٍ أَوْ تَنَالُ مِنْهُمْ نَصِيبًا؟ فَقَالَ إنَّهُ لَيَعْسُرُ عَلَيَّ شَأْنُهُمْ، وَيَعْظُمُ عَلَيَّ أَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ شَيْئًا إلَّا فِي وَقْتَيْنِ وَقْتِ السَّمَاعِ، وَعِنْدَ النَّظَرِ فَإِنِّي أَنَالُ مِنْهُمْ فِتْنَةً، وَأَدْخُلُ عَلَيْهِمْ بِهِ، وَسُئِلَ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ عَنْ السَّمَاعِ، وَكَانَ مِنْ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ فَقَالَ: لَيْتَنَا تَخَلَّصْنَا مِنْهُ رَأْسًا بِرَأْسٍ، وَقَالَ الْجُنَيْدُ: إذَا رَأَيْتَ الْمُرِيدَ يُحِبُّ السَّمَاعَ فَاعْلَمْ أَنَّ فِيهِ بَقِيَّةً مِنْ الْبِطَالَةِ، وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ الْأَوْلَاسِيُّ، وَكَانَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ: رَأَيْت إبْلِيسَ فِي الْمَنَامِ، وَكَانَ عَلَى بَعْضِ سُطُوحِ أُولَاسَ، وَعَنْ يَمِينه جَمَاعَةٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ جَمَاعَةٌ، وَعَلَيْهِمْ ثِيَابٌ نَظِيفَةٌ فَقَالَ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ: قُومُوا، وَغَنُّوا فَقَامُوا، وَغَنَّوْا فَاسْتَفْزَعَنِي طِيبُهُ حَتَّى هَمَمْت أَنْ أَطْرَحَ نَفْسِي مِنْ السَّطْحِ، ثُمَّ قَالَ: اُرْقُصُوا فَرَقَصُوا بِأَطْيَبِ مَا يَكُونُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا الْحَارِثِ مَا أُصِيبُ شَيْئًا أَدْخُلُ بِهِ عَلَيْكُمْ إلَّا هَذَا، وَقَالَ الْجَرِيرِيُّ رَأَيْت الْجُنَيْدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّوْمِ فَقُلْت كَيْفَ حَالُك يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ: طَاحَتْ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ، وَبَادَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ، وَمَا نَفَعَنَا إلَّا تَسْبِيحَاتٌ كُنَّا نَقُولُهَا بِالْغَدَوَاتِ، فَأَيْنَ هَذَا يَرْحَمُك اللَّهِ مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْعُلَمَاءَ فَقَالَ {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: ١٠٧] {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا} [الإسراء: ١٠٨] {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: ١٠٩] .

(فَصْلٌ)

وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَظِيمٌ مِنْ شُيُوخهمْ عَلَى إبَاحَةِ الْغِنَاءِ فَقَالَ: إنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>