للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ هَذَا زَمَانٌ، وَذَاكَ زَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْطِي فِيهِمَا وَاحِدٌ لَا يَتَغَيَّرُ، وَلَا يَزُولُ، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ فِي نَجَاتِهِ مِنْ النَّارِ، وَجَوَازِهِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَشُرْبِهِ مِنْ الْحَوْضِ، وَدُخُولِهِ الْجَنَّةَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ فِي كُسَيْرَاتٍ يُقِيمُ بِهَا صُلْبَهُ، وَفِي ثَوْبٍ يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ بِسُوقٍ يُبَاعُ فِيهِ لَمَا سَاوَى إيمَانُ أَحَدِكُمْ كُسَيْرَةً فَيَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُنْجِيَهُ مِنْ جَمِيعِ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِسَبَبِ إيمَانِهِ، وَيَقُولُ: فَضْلُ اللَّهِ أَعْظَمُ، وَرَحْمَتُهُ أَوْسَعُ، ثُمَّ إنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي أَعَدَّهُ لِنَجَاتِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَهْوَالِ مَا خَلَّصَهُ لِلتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُسَيْرَاتٍ يُقِيمُ بِهَا صُلْبَهُ، وَيَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ السَّبَبِ فَلَوْ انْقَطَعَ عَنْهُ السَّبَبُ أَيِسَ، وَضَجِرَ، وَشَكَا، وَبَكَى.

فَإِذَا لَمْ يَخْلُصْ إيمَانُهُ فِي هَذَا النَّزْرِ الْيَسِيرِ فَكَيْفَ يُخْلِصُهُ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْأَهْوَالِ فَفَضْلُ اللَّهِ أَعْظَمُ، وَرَحْمَتُهُ أَوْسَعُ فِي هَذَا النَّزْرِ الْيَسِيرِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَأَوْجَبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» لَكِنَّ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَبْتَلِي خَلْقَهُ لِيَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ لِيَقَعَ الْجَزَاءُ وِفَاقًا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَالسَّعِيدُ مَنْ كَانَ فَرِحًا مَسْرُورًا بِرَبِّهِ، وَبِحُكْمِهِ، وَبِإِرَادَتِهِ مَاقِتًا لِأَحْوَالِ نَفْسِهِ، وَرَأْيِهِ، وَتَدْبِيرِهِ - اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا ذَلِكَ بِمَنِّك إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ -

[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمُرِيدِ الْخَلْوَةَ]

َ، وَيَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْخَلْوَةَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْخَطَرَ فِي ذَلِكَ عَظِيمٌ لِمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْقَوَاطِعِ الرَّدِيئَةِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ حُصُولِ عَرْبَدَةٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ فِعْلِ نَشَّافٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَهَالِكِ؛ لِأَنَّ الْخَطَرَ فِيهَا كَثِيرٌ مُتَعَدِّدٌ.، وَقَدْ قَالَ لُقْمَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>