للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَشَيْئًا فَلَمَّا أَنْ تَقَرَّرَ لَهُمْ الدِّينُ، وَتَقَوَّى أَهْلُ الْإِسْلَامِ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْجِهَادِ بِاللِّسَانِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] .

فَلَمَّا أَنْ تَقَوَّى الْأَمْرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِقِتَالِ الْأَقْرَبِينَ مِنْ الْكُفَّارِ فَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: ١٢٣] فَلَمَّا أَنْ تَقَوَّى الْأَمْرُ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] ، ثُمَّ إنَّ الْفُرُوضَ لَمْ تَتِمَّ إلَّا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ تَعَالَى فِيهَا {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣] فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَالِمُ بِعِبَادِهِ، وَبِمَا يُصْلِحُهُمْ فَلَوْ كَانَ أَمْرُهُمْ، وَمُخَاطَبَتُهُمْ أَوَّلًا بِالْقِتَالِ، وَبِجُمْلَةِ الْفُرُوضِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَمَنْفَعَةٌ لَهُمْ لَأَمَرَ بِذَلِكَ أَوَّلًا {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤] ، وَصَاحِبُ الْحَالِ الَّذِي أَشَارَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَيْهِ أَخِيرًا مَضَى عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ فَانْتَفَعَ بِنَفْسِهِ، وَاسْتَرَاحَ، وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِهِ، وَوَجَدُوا الرَّاحَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى يَدَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خَاطِبُوا النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» فَلَيْسَ مَنْ دَخَلَ فِي التَّعَبُّدِ، وَتَمَرَّنَ فِيهِ، وَكَثُرَتْ الْمُجَاهَدَةُ لَدَيْهِ كَمَنْ ابْتَدَأَ الدُّخُولَ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي السَّوْدَاءِ حِينَ سَأَلَهَا: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. فَقَالَ لِصَاحِبِهَا: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فَقَنَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْهَا بِالْإِقْرَارِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَذَلِكَ يَنْفِي مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أَنَّ الْأَصْنَامَ هِيَ الْآلِهَةُ فِي الْأَرْضِ فَإِلَهُ السَّمَاءِ، وَإِلَهُ الْأَرْضِ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْمَوْجُودُ لَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَلَّ فِي السَّمَاءِ تَعَالَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا إذْ إنَّ السَّمَاءَ مَخْلُوقَةٌ لَهُ، وَلَا يَحِلُّ الصَّانِعُ فِي صَنْعَتِهِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي كَانَتْ هِجْرَتُهُ قَدِيمَةً، وَتَمَكَّنَ مِنْ الْعِلْمِ، وَمِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ حِينَ سَأَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَيْفَ أَصْبَحْت؟ فَقَالَ مُعَاذٌ: أَصْبَحْت مُؤْمِنًا حَقًّا فَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةٌ فَمَا حَقِيقَةُ إيمَانِك؟ فَلَمْ يَكْتَفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>