للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِسُرْعَةِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَيُخْبِرُونَ بِأَشْيَاءَ قَلَّ أَنْ تَقَعَ فِي الْغَالِبِ، وَإِنْ وَقَعَتْ فَبِالْمُصَادَفَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَخْبَارِهِمْ، وَأَمَّا الْمُحَقِّقُونَ الْمُمَيِّزُونَ لِلْخَاطِرِ الْأَوَّلِ فَقَلَّ أَنْ يُخْبِرُوا بِشَيْءٍ إلَّا وَيَقَعُ كَمَا أَخْبَرُوا بِهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] ، وَهَذِهِ الْخَوَاطِرُ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِالشُّيُوخِ وَالْمُرِيدِينَ، بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ لَكِنَّ التَّمْيِيزَ يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ يَخْتَصُّ، وَمَعَ ذَلِكَ فَمَنْ تَحَقَّقَ بِهَذِهِ الْخَوَاطِرِ فَلَا بُدَّ لَهَا أَنْ يَزِنَهَا عَلَى لِسَانِ الْعِلْمِ فَمَا وَافَقَ أَمْضَاهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ الْمَنْقُولِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ وَالتَّأْنِيسِ، وَأَمَّا الْخَاطِرُ الْمَلَكِيُّ فَهُوَ كُلُّ خَاطِرٍ يَأْمُرُ بِطَاعَةٍ أَوْ خَيْرٍ مَا إذَا كَانَ سَالِمًا مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي أَوْ يُتَوَقَّعُ مَعَهُ تَرْكٌ أَوْ بِطَالَةُ وَقْتٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ الْمَلَكِيِّ فِي شَيْءٍ.

وَأَمَّا الْخَاطِرُ الرَّابِعُ - وَهُوَ أَرْذَلُهَا، وَهُوَ الْخَاطِرُ الشَّيْطَانِيُّ فَهُوَ لَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ أَصْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخَيْرُ يُؤَدِّي إلَى الشَّرِّ، وَيَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَاطِرِ النَّفْسَانِيِّ وَالشَّيْطَانِيِّ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يُرِيدُ إلَّا الْوُقُوعَ فِي الْمُخَالَفَةِ كَيْفَ كَانَتْ، وَمِنْ حَيْثُ كَانَتْ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ تَرَكَهَا، وَأَتَى إلَى مَعْصِيَةٍ أُخْرَى فَهُوَ يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ إذْ مَقْصُودُهُ إنَّمَا هُوَ الْمُخَالَفَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَائِنَةً مَا كَانَتْ، وَالْخَاطِرُ النَّفْسَانِيُّ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ أَمْرًا وَاحِدًا لَا يُفَارِقُهُ فَإِنْ أَنْتَ رَدَدْتَهُ عَلَيْهِ أَلَحَّ بِهِ عَلَيْك، وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، وَيُمَنِّيك بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَهُ، وَيَعِدُك بِالْغُرُورِ، وَأَنَّك إذَا نِلْت مَا أَلْقَتْهُ إلَيْك تَفْعَلُ أَنْتَ مَا تُحِبُّ أَنْ تُوقِعَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ فَيَحْتَاجُ الْمُرِيدُ إلَى التَّشْمِيرِ إلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْخَوَاطِرِ حِينَ نُزُولِهَا بِهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ نَظَرِ شَيْخٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُ مَعَهُ فِيهَا، وَإِلَّا فَلِسَانُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ قَائِمٌ، وَهُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ طَرِيقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>