للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحَاسِنِهِ، وَإِلَى أَحْسَن شَيْءٍ يَبْدُو مِنْهُ، وَأَنْ لَا يَصْرِفَ عَنْهُ بَصَرَهُ فِي وَقْتِ إقْبَالِهِ عَلَيْهِ، وَكَلَامِهِ مَعَهُ، وَآدَابُ السَّمْعِ أَنْ يَسْتَمِعَ إلَى حَدِيثِهِ سَمَاعَ مُشْتَهٍ لِمَا يَسْمَعُهُ مُتَلَذِّذٍ بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَلَّمَك لَا تَصْرِفْ بَصَرَك عَنْهُ، وَلَا تَقْطَعْ حَدِيثَهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَإِنْ اضْطَرَّك الْوَقْتُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتَعْذَرْتَهُ فِيهِ، وَأَظْهَرْت لَهُ عُذْرَك، وَآدَابُ اللِّسَانِ أَنْ تُكُلِّمَ إخْوَانَك بِمَا يُحِبُّونَ فَتَخْتَارَ وَقْتَ نَشَاطِهِمْ لِسَمَاعِ مَا تُكَلِّمُهُمْ بِهِ، وَتَبْذُلَ لَهُمْ نَصِيحَتَك، وَتَدُلَّهُمْ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ، وَتُسْقِطَ مِنْ كَلَامِك مَا تَعْلَمُ أَنَّ أَخَاك يَكْرَهُهُ مِنْ حَدِيثٍ أَوْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَا تَرْفَعْ عَلَيْهِ صَوْتَك، وَلَا تُخَاطِبْهُ بِمَا لَا يَفْهَمُ عَنْك، وَتُكَلِّمُهُ بِمِقْدَارِ فَهْمِهِ، وَآدَابُ الْيَدَيْنِ أَنْ يَكُونَا مَبْسُوطَتَيْنِ لِإِخْوَانِهِ بِالْبِرِّ وَالْمَعُونَةِ لَا يَقْبِضُهُمَا عَنْهُمْ، وَعَنْ الْإِفْضَالِ عَلَيْهِمْ، وَآدَابُ الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُمَاشِي إخْوَانَهُ فَلَا يَتَقَدَّمُهُمْ، بَلْ يَكُونُ تَبَعًا لَهُمْ فَإِنْ قَرَّبُوهُ تَقَرَّبَ إلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ مِنْ رَغَبَاتِهِمْ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْضِعِهِ، وَلَا يَقْعُدُ عَنْ حُقُوقِ إخْوَانِهِ مُعَوِّلًا عَلَى الثِّقَةِ بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ قَالَ: تَرْكُ حُقُوقِ الْإِخْوَانِ مَذَلَّةٌ.

(فَصْلٌ)

اعْلَمْ - وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - أَنَّ هَذِهِ الْآدَابَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا هِيَ آدَابُ الظَّوَاهِرِ، وَهِيَ عُنْوَانٌ عَلَى آدَابِ السَّرَائِرِ. أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ فِي الْأَثَرِ «عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» .

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمُرَاعَاةُ الْبَاطِنِ أَوْجَبُ مِنْ مُرَاعَاةِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لِلْخَلْقِ، وَالْبَاطِنَ لِلْخَالِقِ، وَمَا كَانَ لِلْخَالِقِ فَهُوَ أَوْجَبُ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ الْكَمَالُ، وَالسَّعَادَةُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِهِمَا، وَصِفَةُ إخْلَاصِ الْبَاطِنِ التَّحَقُّقُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْخَوْفُ مِنْهُ، وَالرَّجَاءُ فِيهِ، وَالِاتِّصَافُ بِالصَّبْرِ، وَسَلَامَةُ الصَّدْرِ، وَحُسْنُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ، وَحُسْنُ ظَنِّهِ بِإِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالِاهْتِمَامُ بِأُمُورِهِمْ فَإِذَا فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَوِيَ الرَّجَاءُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>