للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَشَايِخِهِمْ، وَقَدْ أَمَرُوهُمْ بِذَلِكَ فَلَا عَتْبَ عَلَيْهِمْ فِي فِعْلِهِ، بَلْ هُمْ فِي عَبَاءَةٍ وَخَيْرٍ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَجَازَ الْعُلَمَاءُ مِثْلَ هَذَا لَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ ذَرِيعَةً إلَى نَسْخِ الشَّرِيعَةِ بِالْآرَاءِ وَغَيْرِهَا فَكُلُّ مَنْ ظَهَرَ لَهُ شَيْءٌ، أَوْ اسْتَحْسَنَ شَيْئًا جَعَلَهُ أَصْلًا مَعْمُولًا بِهِ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ وَلَا قَائِلَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا الدِّينُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَدْ حَفِظَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنَّقْصِ مِنْهُ.

وَلَا حَاجَةَ فِي كَوْنِ الْفُقَرَاءِ يُحْسِنُونَ ظَنَّهُمْ بِمَشَايِخِهِمْ؛ لِأَنَّ تَحْسِينَ الظَّنِّ بِهِمْ لَهُ مَجَالٌ مُتَّسِعٌ مَا دَامُوا عَلَى الِاتِّبَاعِ لِلسُّنَّةِ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فَحِينَئِذٍ يُرْجَعُ إلَيْهِمْ وَيُسْكَنُ إلَى قَوْلِهِمْ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى وَأَرْجَى وَأَنْجَحُ بَلْ أَوْجَبُ مَعَ سَلَامَةِ الصَّدْرِ لِمَنْ قَالَ مَا قَالَ إذْ إنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا خَيْرًا، وَلَكِنَّ الْمُرِيدَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مِيزَانُ الشَّرْعِ فِي يَدِهِ فَإِنَّ مَنْ وَفَّى وَاعْتَدَلَ فَهُوَ غَنِيمَةٌ، وَمَنْ نَقَصَ فَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ السُّنَّةَ؛ إذْ إنَّهُ لَا يَتْبَعُ أَحَدًا فِي الْغَلَطِ.

وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْوُرُودِ عَلَى الْحَوْضِ: «فَيُقَالُ إنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ: فَسُحْقًا فَسُحْقًا فَسُحْقًا» أَيْ فَبُعْدًا فَبُعْدًا فَبُعْدًا.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ الْعَبَدُ بِسَبَبِ التَّبْدِيلِ، وَلَفْظُ التَّبْدِيلِ يَقَع عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هُمَا الْأَصْلُ عِنْدَهُ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَلَوْ قَالَ مَنْ قَالَ.

وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْمُرِيدَ يُعْرَفُ حِينَ دُخُولِهِ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ الْمُرِيدَ مُحَافِظٌ عَلَى السُّنَّةِ إذَا اسْتَأْذَنَ وَوَقَفَ بِالْبَابِ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ، ثُمَّ دَخَلَ وَقَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَأَخَّرَ الْيُسْرَى، ثُمَّ سَلَّمَ السَّلَامَ الشَّرْعِيَّ عُلِمَ أَنَّهُ مُرِيدٌ لِامْتِثَالِهِ هَذِهِ السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَلَا تَرَى إلَى مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَاءَهُ مُرِيدٌ لِزِيَارَتِهِ فَقَدَّمَ إلَيْهِ شَيْئًا لِلْأَكْلِ فَتَنَاوَلَ الْمُرِيدُ لُقْمَةً بِالْيَسَارِ فَقَالَ لَهُ الْمَزُورُ مَنْ شَيْخُكَ يَا بُنَيَّ؟ فَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدِي النَّاحِيَةُ الْيُمْنَى تُوجِعُنِي، فَقَالَ لَهُ: كُلْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَعَمَّنْ رَبَّاكَ، وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>