للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِينِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ بِالِانْتِمَاءِ إلَى الْمَشْيَخَةِ.

وَقَدْ قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ: إنَّ الْفَقِيرَ لَا يَكُونُ فَقِيرًا يَكُونُ قَلْبُهُ كَأَنَّهُ فِي كَفِّهِ يَعْنِي مِنْ قُوَّةِ مُعَايَنَتِهِ لَهُ، وَنَظَرُهُ لَا يَكُونُ فَيَعْرِفُ الزِّيَادَةَ فِيهِ مِنْ النَّقْصِ بَدِيهَةً. هَذَا حَالُ الْفَقِيرِ الْمُنْفَرِدِ بِنَفْسِهِ دُونَ أَنْ يَصِلَ إلَى اقْتِدَاءِ الْغَيْرِ بِهِ.

وَأَمَّا الشَّيْخُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ قُلُوبُ أَصْحَابِهِ كَأَنَّهَا فِي كَفِّهِ وَكَذَلِكَ أَحْوَالُهُمْ فِي تَصَرُّفَاتِهِمْ وَخَوَاطِرِهِمْ فَيَعْلَمُ مَا يَزِيدُ فِيهَا وَمَا يَنْقُصُ مِنْهَا فَيُرَبِّيهِمْ عَلَى مَا يَتَحَقَّقُ مِنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَيُنَبِّهُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ أَحَدٌ مِنْ جُلَسَائِهِ، بَلْ الشَّخْصُ نَفْسُهُ قَدْ لَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَلَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ هَذَا أُمُورٌ وَتَصَرُّفٌ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ عَاجِزًا عَنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا زَادَ فِي حَالِ أَصْحَابِهِ وَمَا نَقَصَ فِي غَيْبَتِهِ فَلَا يَدَّعِي الْمَشْيَخَةَ وَلَا الْهِدَايَةَ، بَلْ إخْوَانٌ مُجْتَمِعُونَ يَتَذَاكَرُونَ فِي مَسَائِلِ الدِّينِ وَمَنَاقِبِ أَهْلِ الْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ فَلَعَلَّ بَرَكَةَ ذَلِكَ وَبَرَكَةَ اجْتِمَاعِهِمْ تَعُودُ عَلَيْهِمْ دُون أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَالًا، أَوْ مَقَالًا هَذَا حَالُ الْقَوْمِ مَعَ وُجُودِ الْإِخْلَاصِ مِنْهُمْ وَالصِّدْقِ وَالتَّصْدِيقِ وَالرُّكُونِ إلَى مَوْلَاهُمْ فِي دَقِيقِ الْأُمُورِ وَجَلِيلِهَا وَالْتِزَامِ الْوُقُوفِ بِبَابِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَعَ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ الْعَلِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ لَا يَدَّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ حَالًا وَلَا مَقَالًا، بَلْ يَقُولُ أَكْثَرُهُمْ إلَى الْآنَ مَا أَحْسَنَ أَنْ أَتُوبَ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ

يَظُنُّونَ بِي خَيْرًا وَمَا بِي مِنْ خَيْرٍ ... وَلَكِنَّنِي عَمْدٌ ظَلُومٌ كَمَا تَدْرِي

سَتَرْتَ عُيُوبِي كُلَّهَا عَنْ عُيُونِهِمْ ... وَأَلْبَسْتَنِي ثَوْبًا جَمِيلًا مِنْ السَّتْرِ

فَصَارُوا يُحِبُّونِي وَلَسْتُ أَنَا الَّذِي ... أَحَبُّوا وَلَكِنْ شَبَّهُونِي بِالْغَيْرِ

فَلَا تَفْضَحْنِي فِي الْقِيَامَةِ بَيْنَهُمْ ... وَلَا تُخْزِنِي يَا رَبِّ فِي مَوْقِفِ الْحَشْرِ

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ الصَّالِحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لِوَلَدِهِ لَمَّا أَنْ رَأَى مِنْهُ شَيْئًا لَا يُعْجِبُهُ يَا بُنَيَّ أَمَا تَعْرِفُ قَدْرَكَ فَقَالَ: وَمَا قَدْرِي فَقَالَ لَهُ: أُمُّكَ اشْتَرَيْتُهَا بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>