للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُبُورِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَكَيْفَ تُفْعَلُ مَعَ وُجُودِ مَفَاسِدَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ مَا يَقَعُ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ بِاللَّيْلِ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفَرَّقُوا فِي الْأَقَالِيمِ وَمَاتَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِيهَا فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نُقِشَ عَلَى قَبْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا عُلِّقَ عَلَيْهِ قِنْدِيلٌ وَلَا عُمِلَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ. وَيَدُلُّك عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِنْ قُبُورِهِمْ إلَّا الْفَذُّ النَّادِرُ، وَهُمْ الْقُدْوَةُ وَنَحْنُ الْأَتْبَاعُ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مَعْمُولًا بِهِ لَبَادَرَتْ الْأُمَّةُ إلَى فِعْلِهِ وَلَاشْتُهِرَ الْحُكْمُ فِيهِ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَخِّرِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَأَيْضًا فَفِي النَّقْشِ عَلَى الْقَبْرِ مَفْسَدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُرِيدُونَ الشُّهْرَةَ لِقُبُورِ أَوْلِيَائِهِمْ فَيَنْقُشُونَ عَلَيْهَا اسْمَ مَنْ مَضَى مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِكَيْ يَهْرَعَ النَّاسُ إلَى زِيَارَتِهِمْ، وَهَذَا النَّوْعُ كَثِيرًا مَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ بِدِينِهِمْ وَالْفَسَقَةِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا جَهْدَهُ. وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ عَلَى الْقَبْرِ سَقْفًا مِنْ ذَهَبٍ وَيَجْعَلُونَ هُنَاكَ تَصَاوِيرَ، وَهَذَا فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ اخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِظْلَالِ بِالسَّقْفِ الَّذِي فِيهِ الذَّهَبُ هَلْ يَجُوزُ لِلْأَحْيَاءِ أَنْ يَدْخُلُوا تَحْتَهُ أَمْ لَا، فَإِذَا كَانَ هَذَا مَمْنُوعًا فِي حَقِّ الْأَحْيَاءِ فَمَا بَالُك بِهِ فِي حَقِّ الْمَوْتَى إذْ إنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى إظْهَارِ الْفَقْرِ وَالِاحْتِيَاجِ وَالِاضْطِرَارِ أَكْثَرَ مِنْ الْأَحْيَاءِ، وَفِي فِعْلِ السَّقْفِ الْمُذْهَبِ مِنْ ظُهُورِ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ مَا هُوَ مَذْمُومٌ فِي حَقِّ الْأَحْيَاءِ فَمَا بَالُك بِهِ فِي حَقِّ الْمَوْتَى لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَأَمَّا الصُّوَرُ فَهِيَ نَقِيضُ الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَحْضُرُ مَوْضِعًا فِيهِ صُورَةٌ، وَالْمُؤْمِنُونَ يَطْلُبُونَ حُضُورَ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ مَيِّتِهِمْ رَجَاءَ بَرَكَتِهِمْ لِيُغْفَرَ لَهُ، فَإِذَا امْتَنَعَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ الْحُضُورِ حَصَلَ ضِدُّ الْبَرَكَةِ وَالْخَيْرِ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبِدْعَةُ إذَا عُمِلَتْ فِي شَيْءٍ كَثُرَتْ الْمَفَاسِدُ فِيهِ وَقَلَّ أَنْ تَنْحَصِرَ بِضِدِّ مَا هِيَ السُّنَّةُ، فَإِنَّهَا إذَا اُمْتُثِلَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>